فرويد .. تجوال الذات في الماضي عبر صور الإستلاب والقمع

قيس مجيد المولى

كانت قوانين نيوتن في الفيزياء وإلى فترة ليست بالبعيدة مثار الإلهام لمعرفة حركة الكون ووجوده، وسرعان ما استطاع فرويد من إشغال تلك المساحة من الإهتمام عبر ما قدمه لدراسة السلوك البشري بعد أن انتشرت المفاهيم السيكولوجية عن حاجات الإنسان ورغباته، ولاشك قبل ذلك أن بافلوف قد طرق أبواب “المثير والمنبه” وفعل الشرط المنعكس وشيئاً عن مفهوم العقل الباطن ولكن مفاهيمه كانت محصورة ضمن سياقات التدريب والتعلم لدراسة السلوك البشري.

لقد اتخذ فرويد من التحليل النفسي أساسا لمعرفة مجموعة من المشاكل النفسية والتي لها تأثير مباشر في طبيعة سلوك الأفراد إذ يركز في مفاهيمه النفسية على أن الإنسان يُسيّر من مجموعة من الدوافع وهي التي عرفها بـ “الطاقة الحيوية” وبيّنَ أن اللاشعور هو المحرك الأساس للكثير من الأفعال.

كما رأى أن الطرف الآخر من سلوك الفرد يرتبط بالذات التي قسمها الى الذات والذات العليا حيث تمارس الذات دورا رقابيا صارما على مجموعة الرغبات الجنسية وتقوم الذات (العاقلة) بتفسير هذه الرغبات ومدى أحقيتها وطريقة التعبير عنها وحين يكون هناك شكل من أشكال عدم التوافق بين الذات وتلك الرغبات، فإن الذات تمارس عملية القمع وعملية عدم الإستجابة حتى لا تتمكن تلك الغرائز من ممارسة أنشطتها المعبرة عن حاجاتها الغرائزية.

أن هذا القمع الذي تقوم به الذات يزيد من صراع الرغبات ويرحلها إلى منطقة (اللاشعور) إذ يبقيها على درجة عالية من النشاط في اللاشعور، ويذكر أيضا فرويد بأن الذات والتي أسماها (الإيجو) والذات العليا والتي أسماها (سوبرإيجو) تقدمان خدماتها للفرد بمستوى بياني معتدل لوعي الحقائق (متطلبات وجوده في بيئته – متطلبات رغباته من بيئة) وهذا يعني أن هنالك ما يشبه شكلا من أشكال مساعدته على التكييف مع البيئة.

عند ذلك يمكن أن تولد لدى الإنسان قواه المدركة التي تلتقي مع السلوك الجمعي المتعارف عليه عند الإنسان السوي السلوك، بالمقابل وعكس ذلك تماما فأن التعبير عن هذا الصراع حين لا يتم بطرقه السّوية التي أشار إليها فرويد فأن الفرد سرعان ما يعبر عنها بطرق أخرى، قسم منها يكون مادته الأحلام وقسم آخر يظهر من خلال السلوك اللامنضبط واللامعبر عن وضوح الحاجة إذ تكون المخاوف والقنوط واليأس والإنكماش النفسي وعدم الدقة في فهم الرغبة والتعبير عنها أنماطا سلوكية تلازم المرء وتكسبه صفة (الفرد غير السوي).

اتخذ فرويد من هذه المفاهيم وسيلته لمعالجة مرضاه، فهو يرجع الرغبات المكبوتة إلى مرحلة الطفولة، ويربط هذا الكبت في تلك المرحلة إلى مفهوم الثقافة بالنظر لحاجات الطفولة ويعتبر ذلك بمثابة “مصدر الشر” للعديد من الأمراض النفسية التي تظهر لدى الأفراد في مراحل لاحقة.

إن الفرد ومنذ مرحلة الطفولة يكون خزينه من الإحباطات (الأسرة – المجتمع) وتكون له صوره الخاصة عما يعانيه حين تتجول تلك الصور بقدراتها الضاغطة في مناطق اللاشعور وبانتظار محفز ما للتعبير عنها، وبالمقابل فإن الإنسان يتجول أيضا في ماضيه، وخاصة ما فيه من رغبات غير متحققه وعن طريق (الترابط الحر) يتم استعادتها من ذكرياته ووسط أحلامه المهوسة.

لقد وجد فرويد أن الفرد عبارة عن مجموعة من الأفكار والرغبات المضطربة التي تخلق له معايره الخاصة به والتي ينطلق منها لتقييم نفسه ومجتمعه سواء تلك السلبية أو الإيجابية التي أفرزتها إسقاطاته في الحياة ضمن تلك المفاهيم والأسس التي ذكرناها.

لاشك أن ما قدمه فرويد فرع معرفي جديد ضمن اللامعقولية المعاصرة لفهم أنواع عديدة من الدوافع والغرائز والعادات والمفاهيم الدينية للإستعداد للتكيف ومواجهة أخطار النشوء الأول للفرد.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى