استعادة لأفلام فاسبندر… ألمانيا الحرب في رحلة أوديبية

علي زراقط

يكرّم «أسبوع الفيلم الألماني»، الذي ينظمه «معهد غوته» و «سينما متروبوليس»، المخرج الألماني راينر فيرنر فاسبندر، الذي يُعدّ أحد أهمّ صنّاع السينما عبر تاريخها. وذلك عبر عرض خمسة من أفلامه المرممة حديثاً. قد يكون هذا التكريم فرصة مهمة لمحبي السينما وتاريخها للتعرف إلى أو لتذكر هذا «المعلم»، كما يصفه البيان الصحافي للفعالية.
«أحبّ أن أكون للسينما كما كان شكسبير للمسرح، ماركس للسياسة، وفرويد لعلم النفس» هذا ما ينقله المخرج الدنماركي براد تومسين عن لسان المخرج الألماني راينر فارنر فاسبيندر في فيلمه الوثائقي المعنون «فاسبندر: الحب بلا تطلّب» (2015). ليست هذه الكلمات غريبة عن سيرة المخرج، الكاتب، الممثل، والمصوّر، الذي كان مهووساً بالعمل والانجاز. قد لا يكون فاسبندر، حقق طموحه بالشكل الكامل الذي أراده، حيث لا يمكننا القول إنه صار للسينما ما هو ماركس للسياسة، إلا أن المؤكّد أنه أحد أكثر صنّاع السينما تأثيراً في العالم خلال القرن الماضي. بين عامي 1969 وعام 1982، أي خلال ثلاث عشرة سنة من العمل أنجز أربعين فيلماً، ومسلسلين من الأفلام التلفزيونية، والعديد من المسرحيات التي جالت ألمانيا، قبل أن يموت عن عمر السابعة والثلاثين جراء جرعة مفرطة من المخدرات التي كان يتعاطاها لمساعدته على الاستمرار في نمط العمل السريع والكثيف.
عبر تيمات تثير الأسئلة حول العائلة، الخيانة، الهوية الجنسية، الهوية الاجتماعية، العنصرية، الجريمة، الوحدة والتعطّش للحب، تتنقّل بنا أفلام فاسبيندر في صيغ يغلب عليها الطابع الميلودرامي المصبوغ بنظرة سوداوية إلى المجتمع والحياة عامة.

الفيلم الأنجح
تبدأ الاستعادة يوم الأحد 25 أيلول، من خلال عرض لفيلم «زواج ماريا براون» (1979) وهو يمثل نموذجاً عن الأفلام التي أنجزها في سنواته الأخيرة وعمل فيها مع خبرات فنية جديدة وممثلين أجنبيين. كما أنه يعتبر فيلمه الأكثر نجاحاً على شباك التذاكر كما في السمعة العالمية. ماريا براون (هانا شيغولا) هي امرأة تحوّلها خسارتها لحبيبها إلى قاتلة ثم إلى امرأة عملية وشرسة في التعاطي مع المال، العلاقات الحميمة، الجنس، والرغبة في الانتقام من المجتمع. في بورتريه رمزي للمجتمع الألماني ما بعد الحرب العالمية الثانية، يصور فاسبيندر ماريا براون كنموذج للمرأة التي فقدت زوجها خلال الحرب، وهي تتحول من فتاة ساذجة، محبطة ومهزومة إلى قوة كبيرة، ثرية وقادرة على الانتقام من الآخرين، من الذاكرة ومن نفسها أيضاً.
الفيلم الثاني هو «بائع الفصول الأربعة» (1972) يعرض يوم الثلاثاء 27 أيلول. أنتج فيلم «بائع الفصول الأربعة» في فترة انتقالية ما بين أفلام فاسبندر الأولى التي كانت محاولات لنقل الدراما بشكلها المسرحي إلى السينما، وبين توجهه نحو الميلودراما المعتمدة على الشخصيات التي يشوبها الانكسار مما يجعلها حاملة للنقد الاجتماعي. في صيغة فنية تقع بين المسرح والسينما، يروي الفيلم قصة هانز بائع متجوّل يسرح بالفاكهة على عربته، يعاني من اضطهاد من قبل أسرته بسبب مهنته، وحبه لفتاة لم يرضوا بها. هذه الضغوط النفسية والاجتماعية التي يسطّرها الفيلم من خلال تصوير الرياء الاجتماعي، يودي به إلى الاكتئاب المفرط واللجوء إلى إيذاء النفس.
أما يوم الخميس 29 أيلول فيعرض فيلم «علي: الخوف يأكل الروح» (1974) وهو فيلم أنتج خلال الفترة التي كان فيها فاسبندر في أوج عمله من ناحية كثافة الانتاج. يروي الفيلم قصة أرملة ألمانية ستينية تقع في حب شاب عربي اسمه علي، فيتزوجان. ويبقى على المجتمع أن يحول رحلتهما إلى جحيم، من الخوف، العزلة، الأحكام المسبقة، والروح التي تتكسّر شيئاً فشيئاً.
ثم يأخذنا فاسبيندر في رحلة أوديبية في فيلم «أريد منك أن تحبني فقط» (1976) الذي تم انتاجه للتلفزيون. يروي الفيلم، الذي يعرض يوم الجمعة 30 أيلول، قصة تحول بيتر الشاب الذي لطالما حاول استرضاء من حوله عبر بناء بيت لوالديه الباردي المشاعر، أو من خلال شراء الهدايا المكلفة لزوجته. يتحول هذا الشاب من حالة انعدام الثقة إلى قاتل.
أما آخر أفلام فاسبندر المعروضة في الاستعادة فهو «يأس» (1978) الذي يعرض يوم السبت 1 تشرين الأول. ويحكي «يأس» قصة هيرمان، وهو مهاجر روسي يائس من تدهور عمله وحالته المالية كما علاقته الزوجية، خلال فترة صعود النازية في ألمانيا. الأمر الذي يدفعه نحو نوع من الجنون، فيصبح مهووساً بتغيير حياته بأن يصبح شخصاً آخر. يراقب أحدهم، ويقنع نفسه بأنه يشبهه تمام الشبه، ويبدأ بالتخطيط لسرقة حياته. الفيلم مستوحى من قصة للكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف بالعناون نفسه.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى