السرد بمستويات متعددة في ‘الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص’

صدر حديثاً عن منشورات المتوسط في ميلانو كتاب “الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص” للروائي والشاعر السوري زياد عبدالله، وجاء الكتاب في 104 صفحات وتضمن: (نوفيلا – قصة طويلة) حمل الكتاب عنوانها “الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص” وثلاث قصص هي على التوالي: “الحوادث غير اليومية للطبيب الأخير” و”راشق البيض السيد بديع الصفّار” و”جزيرة الكنز”.

وحسب بيان دار النشر فإن العالم القصصي الذي يقدّمه عبدالله في جديده يلتقي على بناء عالم مواز للواقع يتقاطع معه ويفترق عنه في آن، مؤسساً لمجازات تمنح السرد مستويات متعددة تقدّم معان مجازية، وكل ذلك في سياق مشوق.

فالراوي في “الوقائع العجيبة” بلا اسم ، بينما يحتكم على آخر مزيف في العالم الافتراضي، وكل ما يعيشه في مدينته عجيب، إنه الظلم الذي تعرض له ما جعله اسماً منقوصاً، إنه العجز أمام حبيبته ليلى المجنونة به، وهو لا يحضره حين يكون معها إلا الخوف، كما أن اسمه المستعار سرعان ما يتحول مصدراً لخوفه أيضاً وقد كان يمارس من خلاله حريته في عالم افتراضي، إنه في مدينة لن تعرف الرحمة بما سيشهده من وقائع وليلى مغيبة عنه، وهو يمشي على الخيط الرفيع الفاصل بين الحلم والواقع، بين عالم حقيقي وآخر افتراضي.

وتتأسس قصة “الحوادث غير اليومية للطبيب الأخير” على اكتشاف طبيب حقيقة مفادها أنه آخر طبيب في مدينة تلتهمها حرب ضارية، يحصل ذلك بينما يلبي نداء مستشفى غريب يحتل هضبة يطل من خلالها على المدينة وهو يعرف بـ “المبنى المضاء” فهو على أضوائه الساطعة والمدينة غارقة بالعتمة لا تضيئها إلا حمم القنابل والصواريخ.

أما قصة “راشق البيض السيد بديع الصفّار” فهي متأسسة على حدث بسيط يتمثل بإقدام السيد الصفّار على رشق سيارة متوقفة أمام بيته بالبيض وليتحول هذا الحدث إلى كابوس يفضي إلى كوابيس أخرى في حياته، وجاءت “جزيرة الكنز” آخر قصص الكتاب على شكل حوارية تدور رحاها على سطح جزيرة يقطنها مقاتلون فروا من الحرب بمن فيهم زعيهم ومرشدهم وملهمهم.

وصدرت لزياد عبدالله روايتان “ديناميت” 2012 و”بر دبي” 2008، ومجموعتان شعريتان “قبل الحبر بقليل” 2000 و”ملائكة الطرقات السريعة” 2005 ، إضافة لترجمة لمجموعة قصائد مختارة للشاعر الأميركي تشارلز بوكوفسكي بعنوان “غارقاً في اللهب محترقا في الماء” صدرت عن منشورات المتوسط 2016.

عمل عبدالله في الأقسام الثقافية في العديد من الصحف العربية وأسس مجلة أوكسجين الإلكترونية المعروفة بانحيازها للتجريب والأصوات الإبداعية الجديدة.

ومن أجواء الكتاب “ترك اتشاحها الطويل بالسواد أثراً على مذاقها، وهكذا عرّفتني لذتها بمنتهى حزن ومطلع مأساة، ومع انهماكي في تفسير أثرها المدمر عليّ كنت أراها تمزج فرحاً طارئاً بحزنٍ أصيل.

كانت طريقة جلوسها على تلك الكنبة المخملية الوحيدة مدعاة للجنون، والاحساس العارم بأن عدداً هائلاً من خلاياي ترتطم ببعضها البعض، فقد كانت تُظهر قدراً ضئيلاً من جسدها المترامي، نقيضاً قاتلاً لما تركته مغموراً بالسواد.

أمسى ذلك مظهراً ثابتاً من مظاهرها، فهي إن تعرّت تماماً يبقى منها ما هو مستور، ويمسي إيغالي بها أكثر فأكثر أشد إيلاماً وإلحاحاً وقد كان مستورها لا يكشف أبداً، وإيغالي بها بلا منتهى، سواء فعلت أم لم أفعل!

بدا تخيلها خارج هذه الغرفة معجزة، أما الخروج فمغامرة لن أنجو منها حتماً.

هي قالت لي أن أبقى ولم تستخدم عبارة “إلى الأبد” فهذا ابتذال لا محالة أمام جملها المقتضبة وصوتها الذي يتبدّل يومياً.

بدا كل ما يحيط بها مستعداً للذود عنها، هي الوحيدة تماماً.

محاطة بهالات تستعر وتستكين، هالات لا دراية للملائكة بها، تصونها، تحنو عليها، وبالتأكيد تذود عنها.

ولذلك صرت أفكّر بالابتذال كتهديد لها، أو أن تقع في الثرثرة والهذر فتبدو امرأة أخرى!

وتخيلتها مرةً تخلط بين الفحش والبذاءة، لا لشيء إلا لأن فحشها استعصى على الفهم، يصعب توقع بدايته أو نهايته، تتبعه نوبات زهد لا تصمد دقائق معدودات.

لم أفارق الغرفة التي كان زوجها يحتضر فيها، وهي تدفعني لأن أخنقه بكلتا يدي.

هي من أودع تلك الرغبة المتوحشة فيّ! أقسم على ذلك!

ليمت!

ما همّي إن قتلته”.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى