باسكال صوما.. لحظاتٌ ذاهبة إلى الأعمق

انطوان أبو زيد

من أجيال الشعراء الشباب، العرب واللبنانيين ممّن يشرعون في تلمّس سبيلهم الى الشعر ومساءلة قضاياه ووضع الذات المعانية في محور الشعر، الشاعرة باسكال صوما. في كتابها الثاني «فاصلة» أو (،) في التفاتة شكلية إلى نزعة للتفرّد بدءًا من عنوان الكتاب، تنضمّ الى قافلة الشعراء اللبنانيين والعرب الناهضين الى شعرية النثر، والناظمين فيه قصائد ذات عمائر، تختلف باختلاف ثقافة الشاعر ومنطلقاته وخبراته في الكتابة وهواجسه التي يحمّلها في طيّاته. لو استأذنّا علم التداولية، واستعرنا منه مصطلح الخطاب، خطاب الأنا والآخر والهوية، التي تتمظهر في ظهورات الضمائر داخل الكتاب، لقلنا إنّ الشاعرة باسكال صوما تنطلق، في خطابها الشعري، من أنا مسحوقة البراءة، مستهوِلة الدخول الى عالم المدينة، في نوع من يوميات تختلط فيها المشاهد المدينية بالإسقاطات الوجدانية ـ الغنائية والأوصاف الانطباعية التي تتفاوت عمقاً وكثافة بين وقفة أو مشهد شعري وآخر.
تكتب باسكال صوما من دون هاجس فكري مسبق، وهذا يُحسَب لها، لأنّ الاشتغال الشعري يكون عندها محكوماً بالصيغ الجاهزة. وقد تكفيها إشارات أدبية من خارج سياق الشعر (حنا مينا، نجيب محفوظ) لتبني صوَرها الشعرية وانطباعاتها اللاهية والوجدانية، حيناً بعد حين. «نجيب محفوظ عدْ قليلا / أريد أن أرى أصابعك حين لا تكتب». (ص:27)
إذاً، تسعى الشاعرة باسكال صوما إلى بناء صورة ذاتها أو أسطورتها الشخصية بحسب «شارل مورون»، فإذا هي «النملة المسلوبة الجناحين»، ومن تقول عن ذاتها: «أحمل جواز غريبة»، «أرتعب» «أبيع الورد في الطريق»، «أنا امرأة عادية». ولكنها، أي الشاعرة الفتاة، البريئة، الوحيدة، بل المستوحدة في عالم المدينة الذي دخلته بعد أن «غادرت الريف على عجل» (ص: 28)، لا تقف طويلاً عند هذه الغربة – المكانية أو الوجودية – وإنما تطلّ من منبرها للتعبير عن حزنها من غياب الحبيب (أنجلو) ولتضفي على الأماكن المطلقة والداخلية والزوايا مسحة من الرومنسية المطعّمة بشيء من الأسى متعاظم، في نهاية الكتاب، إذ تمسّ الشاعرة بطرف مأساة الوجود. «هذه ليست حانة إنها جنازة» (ص: 71) في كتابها هذا، تروي صوما هذه الأنا الصادرة عنها، مساراتها محطاتها الانطباعية، والغنائية، بلغة شعرية بسيطة، غير متوتّرة، ولا مؤسلبة كثيراً. بيد أنّ إيثار الشاعرة العفوية والإصرار على استخلاص صورة مبتكرة أو مفارقة المألوف، نسبة إلى السياق أو المشهد الشعري الذي تندرج فيه، كفيلان، برأينا، بإكسابها القدرة على صوغ الجمل الشعرية صوغًا موقّعًا بإيقاعات القصيدة الداخلية التي تنأى بها عن النثرية السردية أو المألوفة.
في لغة باسكال صوما مشاهد شعرية كثيرة، هي محطّات تأمّلية في تفصيل صغير، وفي حالة شعورية تستدعيها اللحظة، بشجوها، وأمكنتها، وانطوائيّة الذات فيها، ودرجات الحزن والوحدة فيها. أما الكتابة في قصائد نثر أو بالنثر فهي في مستهلّ السجال، ويتوسّم القارئ خيراً كثيراً لها في الآتي من الأيام.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى