هدم منزل أبو القاسم الشابي..

عبد الرحيم الخصار

هُدِم منزل الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، أو سوّي ما تبقى من هذا المنزل بالأرض، حيث لم يعُد له أي أثر يذكر. هذا ما وقع فعلاً في بلاد الياسمين، على مرأى ومسمع من الجميع. وقد صُدمت الأوساط الثقافية في تونس والعالم العربي بهذا الخبر، لأن «وزارة الثقافة» (التونسية) كانت قد وعدت سابقاً بترميم البيت وتحويله إلى متحف، شأن مختلف البلدان التي تحترم رموزها الثقافية.
لكن الوزارة نفسها وقفت عاجزة بسبب مشكل الورثة الذين اختاروا التصرف في هذا «الإرث» على النحو الذي يسيء للشابي ولصورة الثقافة في بلاده، غير أن الورثة أيضاً يقولون بأنهم لم يتصرّفوا إلا بعد يأسهم من تدخّل الوزارة لتنفيذ وعودها. ويبدو أن السؤال الأهم ليس حول مَن هدم البيت، ولكن حول قيمة الثقافة في بلداننا العربية، وقيمة رموزها.
في تصريح خاص لـ «السفير» تقول الشاعرة التونسية فاطمة بن محمود: «عندما تعيش البلاد حالة مَرَضية فيها الكثير من الفوضى والانفلاتات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنتشر ثقافة الإقصاء وتضمحل التقديرات القيمية، مثلما هو الحال في تونس، فإننا لا نتحدث عن شعوب بل عن أنظمة، لأنه في حالة الفوضى يتمّ تهميش الشعوب ويغيّب دورها، وتستبد الدولة التي من سماتها ضرب كل ما هو ثقافي وتهميش كل ما هو إبداعي وتبخيس كل ما من شأنه أن يُعلي من قيمة الشعوب حتى تهتز ثقتها بنفسها وتنهار ويصبح من السهل السيطرة عليها والتحكم فيها، لا ننسى أن (ثورة) تونس قامت على بيت شعر للشابي «إذا الشعب يوماً أراد الحياة» وكانت كل صيحات الشعب تنطلق بـ (الشعب يريد)».
وتضيف فاطمة: «منزل الشاعر في بلاد متقدّمة تحترم فيها مقدّرات الشعوب الثقافية يتحول إلى متحف، لأن الشاعر يصبح رمزاً ومن ثمّة يصبح قيمة اعتبارية محفّزة وعلامة تحضّر الشعوب. أما في بلاد أصبحت تُعلى فيها الرايات السود وتنتشر فيها ثقافة الإقصاء والقتل وتصدّر للعالم إرهابيين فماذا نتوقع منها؟ يصبح هدم بيت الشاعر الرمز عملية متجانسة وحالة الفوضى التي تعيشها تونس». لتختم كلامها بالقول: «أنا ضد الأصنام في الشعر، ولكن مع الرموز الشعرية التي تمثل علامات، والشابي أحد أبرز العلامات التي تشير إلى تونس. لذلك أحزنني كثيراً هدم بيت الشاعر، لأنه أكّد لي أننا في مرحلة خطيرة فعلاً، حيث تنسف القيم الجمالية والاعتبارية، إنها علامة على تقهقر فظيع تعيشه تونس اليوم».
من جهته، فُوجئ الشاعر التونسي عبد الفتاح بن حمودة بالخبر على المواقع الالكترونية، يقول في تصريح خاص بالجريدة: «المسألة يصحّ عليها القول (ربّ عذر أقبح من ذنب)، فلا علاقة للأمر بالورثة وبُعدهم عن المدينة وتشتتهم. فقد كان من المُفترض أن يُحجَر على أي كان شراء تلك الأرض وأن تقوم وزارة الثقافة بشرائها من الورثة بالصيغ القانونية، وأن تحافظ على المبنى وترمّمه فهو معلم تاريخي مثل المنزل الذي وُلد فيه عبد الرحمن بن خلدون في تربة الباي بتونس العاصمة (المدينة العتيقة). أنا في غاية الحزن، لأنه كان يمكن إنقاذ المبنى وترميمه. وما حدث جريمة يعاقب عليها القانون. وبما أن المبنى تمّ تهديمه بالكامل فقد ذهب الأمر سدى. ولا شيء سيعوّض المنزل التاريخي. واللعنة على الوزارة والمندوبية وعلى المشتري الذي لن يفكّر إلا في مشاريعه التجارية. طبعاً لن تطلب من لصّ أو سمسار أن يفكر في معلم تاريخي إلا بما يدرّ عليه أرباحاً. أما مَن هدم ذلك المعلم فهو جاهل أيضاً. هذا سطو وسرقة، هذه لصوصية وفضيحة ستظل عاراً إلى الأبد».
أما الشاعر أنور اليزيدي فكانت كلمته لـ «السفير» مقتضبة ومؤثرة في الآن ذاته: «ليس لديّ ما أقوله سوى أن هدم بيت الشابي هو هدم للشعر، مازلنا لم نبرأ من تشويه محمد الصغير أولاد أحمد بالنصب المثير للشفقة حتى طعنونا طعنة أخرى بهدم بيت أبي القاسم الشابي. نحن في بلد يسخر من الشاعر ويهدم بيته. الرسالة: أيها الشاعر لا بيت لك».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى