باريس تكرّم المصوّر الراحل هيرب ريتس

نبيل مسعد

ثمّة جيل بأكمله من العاملين في عالم الموضة سواء في ميدان ابتكار الأزياء أو عرضها فوق المسارح، لا ينسى الدور الذي لعبه المصور الأميركي هيرب ريتس طوال فترة ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، في رفع الموضة إلى مرتبة فنية عالية ممزوجة بشعبية نادراً ما عرفتها في الماضي، بفضل تحويله عارضات الأزياء الـ «سوبر موديلز» إلى كائنات تثير مخيلة الجماهير العريضة وتحل مكان نجمات السينما.
وتنظم دار الصورة الأوروبية في باريس وحتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، معرضاً يكرم هيرب ريتس ويحيي عمله بالتفصيل من خلال صوره ولكن أيضاً العديد من المستندات المكتوبة والمقالات والشهادات الخاصة به وبالإنجازات التي حققها في مجال التصوير الفوتوغرافي فنياً وتقنياً، إضافة إلى تعديه حدود الفن ونجاحه في مَس قلوب الناس.
وإذا كان الشخص العادي هنا وهناك يعرف من هي كلوديا شيفر ويشهد بجاذبية كل من سيندي كرووفورد ونعومي كامبل وليندا إيفانجليستا وكريستي تورلينغتون وستيفاني سيمور وغيرهن، فالمسؤول هو هيرب ريتس وليس سواه. في حين كانت عارضة الأزياء في الماضي مجهولة كلياً من قبل الجمهور ومجرد دمية ترتدي الزِّي فوق المسرح في أثناء تقديم دور الموضة لتشكيلاتها الموسمية، وثم فوق صفحات مجلات المرأة التي تكتب عن الأناقة ناشرة صور الموديلات المذكورة في تحقيقاتها.
وطبّق ريتس في النصف الثاني من الثمانينات، فكرة كان يحلم بتحويلها إلى واقع منذ سنوات طويلة أطلق عليها تسمية «الموضة الديموقراطية»، أي الموضة التي يتبع أخبارها الجميع ويقتنيها من يقدر على فعل ذلك، بعدما ظلت أخبار الأناقة الرفيعة لسنوات طويلة جداً، حكراً على الميسورين.
ولتحقيق هذه المعادلة بدأ ريتس العمل في أسفل السلم، مستخدماً الحلقة الأخيرة من السلسلة التي تشكل الموضة بأكملها، معتبراً أن الحلقة إياها هي عارضة الأزياء التي تقدم الزِّي إلى المتفرج. فإذا كان الفستان ترتديه نجمة لا شك في أنه سيلفت الانتباه إلى جماله ومن ثم إلى هوية صانعه، وبالتي لم يتبق سوى تحويل العارضة إلى أيقونة حية يتبع خطاها الجمهور ويراقب تصرفاتها وينبهر أمام ما ترتديه، وربما في شكل خاص الفتيات اللاتي لا بد من أن يرين في العارضة المثال على ما يجب اختياره من ملابس في المناسبات المختلفة.

نجحت الطريقة
هكذا راح هيرب ريتس ينظم جلسات تصويرية مع العدد الأكبر من العارضات المبتدئات في تلك الفترة، واعتمد تصويرهن بلا مكياج ومرتديات الثياب العادية جداً غير المنتمية إلى العلامات الفاخرة. وكان الهدف لفت الأنظار إلى العارضة وحسب، وتحويلها إلى نجمة تتميز بهوية محددة قبل الإنتقال إلى المرحلة التالية وهي تقديمها آخر ابتكارات الموضة.
ونجحت الطريقة إلى درجة أن نجمات الموضة خطفن الأضواء من نجمات السينما وعاشت الموضة فترة زمنية ذهبية لم تكن من قبل ولم تعد إلى الظهور فور ذوبانها إثر رحيل مخترعها هيرب ريتس عام ٢٠٠٢ عن عمر ناهز 50 سنة.
ويسلط المعرض الضوء على عبقرية ريتس التجارية وقدرته على صنع النجمات أسوة طبعاً بموهبته الفنية الواضحة من خلال صوره الهائلة بخاصة تلك الملتقطة بالأسود والأبيض.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى