من أشعار فرنسيس كاركو

ت: محمد محمد السنباطي

• هذا حبيبك

هذا حبيبكِ الذي يمرق تحت نافذتكِ

هذا حبيبكِ الذي يحاول جاهدًا أن يراكِ

هذا حبيبك الذي يضرب الطوار بعقب قدمه

والذي يرمق نافذتكِ ليرى

ما إذا كانت ستنفتح أم لا

إنه يمر ويعاود المرور. إنه يصفر ويتوقف.

إنكِ تودين الابتسام

ولكن خطواته تبتعد، ثم تعاود ثم تتوقف

تلك لعبة قاسية تتصدع لها الرؤوس

لعبة قاسية تجعل المرء يقاسي

ثم إلى أن يهل الصباح مبللا بالندى

الصباح المكتئب اللامع!

ولا تسمحين لنفسكِ

الندم عليّ أنا الذي سريت لكِ

نصف مغتاظ ونصف نائم

• مروحة الليدي لورنسان

في المرآة المائلة قبالة السرير

أرى جسمكِ الريان وساقيكِ الجميلتين

صبحٌ شحيح الضياء يتسكع في الحجرة

ثم – في كل مكان وبلا صوت – يلمع مثل هالة

في كل مكان أيضا ثمة عطر خبيث

هو ارتعاشات ممتزجة بانعكاسات

تستقبلها المرآة وتضاعفها

ثم تنثرها حيثما اتفق

ارتعاشات. انعكاسات. عبر نشوتنا

كما لو تعمدنا التوحد إلى الأبد

ذكراكِ. حجرة ضيقة كامدة

في ذكرى تلك التي كنت أحبها

• إنها تمطر

إنها تمطر. وما أروع هذا. أحبكِ

سنظل في البيت

ما عاد شيء يروقنا أكثر منا كلينا

في أواخر الخريف

إنها تمطر. السيارات ذاهبة آيبة

والحافلات نراها تنطلق

والسفائن على نهر السين

تصدر عنها جلبة لا نسمعها

هذا رائع: إنها تمطر. أسمع ذلك

المطر الذي طقطقاته

تدق النافذة قطرة بعد قطرة

وأنت، بعذوبة، تبتسمين لي

أحبكِ. أوه. يا لغمغمة المطر الباكي

الذي يشهق كالوداع

ستتركينني في التو واللحظة

يبدو أنها تمطر في عينيكِ

• لور

لور. كنتِ تسمعين في كل الليالي

موسيقيين في الفناء

وكان فؤادكِ مترعا بالحب

وعندما كنت ألقاكِ على غرة. كنتِ تغمضين الجفون

أهذا شر؟ كنتِ تسألين ولم أفهمكِ

يا طفلة رقيقة حزينة العيون

من الذي فعل الشر؟ يا حبي المثابر العفيف

أنتِ التي رحلتِ؟ أم أنا الذي على قيد الحياة؟

• هذه أنتِ

على السماء شديدة البياض شديدة الخلاء

هذه أنتِ.. أفتح لكِ أحضاني

تضحكين تحت قبلاتي.. ترتعشين

لا يتعرف أحدنا على الآخر

إنكِ لا تأتين أبدًا إلى هنا

مع هذا فلكم عانيت في هذه الأيام الطوال

أعاني من ألم لا أعرفه

والحب.. أكان ذلك هو الحب؟

لم يكن الضجر الغريب

الذي ألقانا كل هذه المدة

أحدنا بعيدٌ والآخر في حُمى

عذابٍ لا يمكن تحمله

لا تقولي لي شيئًا .. إنني أفهمكِ

تشهقين بين أحضاني

وهذه أخيرًا النوبة الحادة

أنا غارق في الضحك وأنتِ في البكاء. هل أنتِ بخير؟!

• وداعًا

إذا ما الحانة المتواضعة التي يزيدها قتامة

المطرُ ورياحُ الخريف

فتحت لي ذراعيها ، ولم تكوني بها

فإنني أعاني والحب يهجرني

يا لمعاناتي التي لا تحتمل. لقد

حاولت الضحك يوم رحيلك

ومن ساعتها وأنا – بدون الحب – أرسل دمعي

وفي الأشجان أقضي أيامي

أقل القليل. احتفظي بالذكريات

وبقلبي. هدئي من روعي

واعتزي بتلك الرقة القديمة

التي تراودها النهاية.

سوف أضحك مستندا على كتف أخرى

وقبلات أخرى ستكفيني

بأسناني سوف أطبعها

بيد أنكِ ستظلين الأكثر جمالا

• تقهقر

العشب المفتت على جانب الطريق

أشجار الصفصاف. ماء

يجعلها الماء، وبحزن، أكثر رقة

وشيش نوافذ الأوبرج… الأخضر…

إنكِ تعيشين أيامًا أليمة

أيامًا متشابهة

وتحت الأغصان المرتعدات

تتابعين حلمًا لا يتحقق

ها هو الليل…ها هو النسيم

ها هو القمر في الأفق

إنكِ تتهوسين، ليس بلا مبرر،

وإنما بمفاجأة سحرية تترقبينها

لكنكِ ذات مساء ستتناسين

المعاناة والشعر

وستذرفين دموعكِ وجبينكِ يغفو على ساعديكِ

• طفولة

على البستان الكبير الزاهي تنفتح الشبابيك

وإذ نطل لننهل النسيم النديَّ

المنساب في الصباحات المنعشة

يتسلل إلى جباهنا دوارٌ مجهول

وقلوبنا تنتفض كمجرى مائي يندفق

إذا كانت العطور الناعمة تحوم هناك

في الافتتان السعيد للأضواء

فالليالك لها فتور من نوع فريد

حيث تتحلل رائحة التربة

الربيع بأكمله يترنم في يقظة الأطيار

وفي انتشار الأجنحة المسترخية

كانت تنساب الدفقة الكبيرة الوادعة للحياة.

ضجة حادة كانت تملأ المنزل

كنا نسمع جلبة الحشرات، واهتزازات

تُرجف عناقيد المعرشات خبازية اللون

بينما من تلال مجاورة

يهب علينا بمرح وانطلاق عبقُ نبتِ الحراج

أيتها الصباحات الألاقة

الصباحات المذهبة المتداخلة

سأتنسمكِ في شباكي مستقبلا

وستحتوين عبق الأوراق الناضجة

وسيكون هذا كموعد لقاء جد قديم

• نصف الليل

في آخر الزقاق

وكر للدعارة

المطر يساقط. هذا منتصف الليل

سمعت الساعة تدق

رنينها مليء بالأنين

والبلاط يلمع

ما الذي يحدث إذن؟

أي ظل يمر؟

أي ظل آخر يتبعه

في آخر الزقاق

في هذا المساء المطير؟

• حدائق

سقط المطر. تستجم الحدائق في الظلال

سيموت الأقحوان إن لم نقم بقطفه

وفي الممرات المبللة أزهار متساقطة

شاحبة تماما على الرمل، لا حراك ولا رفيف

فاقدة وعيها نباتات الداليا

غمغمة غامضة لكل هذه الآلام من جانب الأشياء

التي تعي احتضار الزهور

ثمة أبراج حمام بيضاء يلفها الشفق…

طفولتي، إنك تنسربين بعيدا عني

ما بين المساء الذي يخيم والحديقة التي تموت!

إنك ترحلين، وربما لن تعودي للأبد

ما عادت ذكراك سوى غمغمات

في هالة ستختفي عما قليل

وسأبقى وحيدا أحلم في نافذتي.

• صباح الخير يا باريس

تلك هي دائما نفس الأغنية

التي أترنم بها يا حبي:

كل ما أملك إليكِ أقدمه

وتخفق قلوبنا مع النغمات

على أرصفة بطول نهر السين

في مونتمارو قريبا من الطواحين

تتمثل لي رؤى ذكرياتي

عمي صباحا يا باريسَ القتلةِ

عمي صباحا يا باريس الغاداتِ الطائشات

والبنات والصبية السيئين

المتسكعين والراقصين

إذا كنت مدينا لكِ بكوني شاعرًا

فيكون ذلك على نغمة أوكرديون

• كارت بوستال

من نافذة الحجرة

نرى الطوارين يلمعان

باللونين الوردي والأسود

في الريح الثلجية في ديسمبر

تذكري.. في أمستردام

آخر ليلة في العام

كل المدينة تموج في التألق

وذلك الصرير لعجلات الترام

كانت الريح تلعب بالبيارق

وعلى الماء السفن

تتحرك وتتراقص فوق الموج

الذي يضرب الكوى والنوافذ

ضربات ثقيلة صماء كأنها اللطمات

بينما على امتداد القنوات

وفي الحوانيت التي بلا نوافذ

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى