أنا لستُ كاتب هذا النص.. للشاعر أنيس فوزي

خاص ( الجسرة)

 

أنا لستُ كاتب هذا النص
كنتُ مارًّا وحسب
فاستوقفني شكل الغرفة من الخارج،
أيُعقَل أن تكون بهذا الهدوء؟
لا أسمع خشخشة مفاتيحي
ولا تكّة القدّاحة
ولا مزاج السجائر النبيل
لا أسمعُ حديثَ الصور
ولا الكتب، ولا حتّى تلكَ الأوراق المبعثرة
التي اكتبُ فيها خطاباتٍ لا معنى لها
لأقول في النهايةِ
شيئًا سخيفًا
فكّرتُ فيه في دورة المياه.

لم يكن هناك ما يوحي
بأنّ وراء هذا الباب
شيءٌ مهمّ..
حتّى آيةُ الكرسي،
فقد كنتُ مخدوعًا.
الأحلام التي أتباهى بها
والتي أخبّئها تحت الوسادة
تطير في الصباح
من النوافذ المغلقة
فلا يعود للغرفة معنى،
ولا يحقُّ لي أن أسأل السماء
حين أرجعُ
كيف سرقت جنوني
الّذي لا تشربه الغيمة
ولا تأكله الطيور
ولا يعيشُ على كواكب مهجورة.
أنا وحدي من كان يعرفُ شاعريّة الأمر
في الداخل
ولكن لا أحد
-حتّى انا-
يعرفُ أين اختفت ملامحي!
ربّما لأنّي
أسأتُ فهم الرحلة من البداية
ولم يعد يجدي أن أرفض -الآن-
وجهة المركب.

كنتُ اعتقد
بالنيابة عن الآخرين
أنّي حين أكون في الغرفة
سيكون عليهم أن يتوقّفوا عندها
وهم يسمعون ضجيج الهدوء
و سكينة الفوضى،
أنّ الأمر حقًا يستحقّ التأمّل.
لكن الحقيقة
أنّهم كانوا طوال الوقت
ينفرون من عبثيّتي
ولا أحد يعرف
أنّي لا أتعرّف على عالمي
ولا أحفظهُ
ولا أحكمهُ
إلاّ بهذه الطريقة.

أنا لستُ كاتب هذا النص
إنّهُ آخَري
الّذي رأيتهُ في الغرفة
وهو يضحك بأسنانه الصفراء
على مزحةٍ قديمة
بينه وبين الحبّ،
مزحة قاتلة!
فَقدَ بسببها اسمهُ
وبعض أطراف ذاكرته
وصار نحيلاً،
منتصبًا لوحده
مثل مسمار مُهمل
في بيت العالم.

كنتُ يومًا ما
كاتبُ هذا النص
كنتُ ضحكته
والّذي يشتري بحرج ملابسه الداخلية
كنتُ من يرتدي جواربه المثقوبة
وقبّعاته السخيفة
كنتُ من يبادله سأمه من يوم الجمعة
وفرحته بفوز فريقه المفضّل
كنتُ جسدهُ الّذي يعلق فيه عطر امرأة
ولا يعلق فيه نسيانها،
لكنّي لم أعُد
وصار وحيدًا
هكذا رأيتهُ من خارج الغرفة
يكتبُ هذا النص
ويشير لي بأصابع الوسطى
ونضحك
-هو وأنا-
على سخافة ما نكتبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى