دراسة مصرية ترصد صورة الوطن في كتابات ونصوص المبدعات السعوديات

قالت دراسة أدبية مصرية صدرت فى مناسبة اليوم الوطنى الـ 86 للمملكة العربية السعودية، إن الكاتبات السعوديات نجحن في تجاوز البيئة المحلية والعربية إلى آفاق إنسانية وإبداعية أوسع مدى، وأنهن ظللن في الوقت ذاته على ارتباط ببيئتهن المحلية التي ظلت مصاحبة لهن، في الكثير من كتاباتهن، وعطاءاتهن الأدبية، سواء كانت شعراً أو قصة قصيرة أو خاطرة وبات من الواضح تأثرهن بقضايا الوطن وتمكنهن من التعبير عن ذلك الارتباط الوجداني بوطنهن عبر تجارب وصور فنية ناضجة وواعية ولغة شفافة وصادقة تعمق حب الوطن في النفوس دون أن يقعن في فخ الخطابة المباشرة، ليحققن بذلك ثنائية إبداعية وإنسانية لافتة.

وأوضحت الدراسة التي أعدها الباحث المصري حجاج سلامة وحملت عنوان “صورة الوطن في كتابات الأديبات السعوديات” أن الكاتبات السعوديات استطعن تناول وتقديم كثير من المضامين، ونجحن من خلالها في أن يكون لكل كاتبة منهن عالما خاصا له ملامحه ولغته ومضامينه المختلفة.

ورصدت الدراسة – التي جاءت في 72 صفحة – صورة الوطن في كتابات ثلاثة عشر كاتبة سعودية عبرن عن تجاربهن في الارتباط بالوطن وحبه بنصوص سكبن فيها ما بأرواحهن وقلوبهن على الورق.

وتناولت الدراسة قراءة لصورة الوطن في كتابات الكاتبة فوزية الجار الله التي وصفها الباحث حجاج سلامة في دراسته بأنها “كاتبة تتمتع بعمق الرؤية .. ورهافة الحس .. والقدرة – الفنية – علي صياغة أحرفها وكلماتها، وعباراتها بأسلوب ذي نغمة متفردة. كتاباتها عن الوطن تسطرها بدافع من فرط وطنيتها.

تقول في عطاء لها بعنوان “المنتصر بالهذيان!”:

“مادمت تعشق هذه الأرض، وتحب ذرات ترابها وتمتزج دماؤك بقطرات نداها ووهج ربيعها ما دمت تعشق هذه الأرض وتحب وجود أهلها وتخشى عليهم ارتعاشة النسيم وانحراف الظل عن غير موضعه..! مادمت أنت المحب .. الخائف .. المتشائم .. المتفائل .. هل تملك إلا أن تكتب عن حبك؟! وهل تملك إلا دفاعا عن دفء وطنك؟!

هل تملك إلا أن تسفح روحك ودمك فداء لكل ذرة رمل. لكل صخرة وهضبة لكل رصيف ولكل حائط ولكل ميدان، ولكل ناصية .. هذا الوطن علي امتداده من خليجه إلي محيطه تضمه بحره وبرده .. بلهيبه .. وجليده .. لأنك منه .. ولأنه يعضك .. ما يتهدده وما يوجعه يوجعك لن يهدأ النوم بين جفنيك حتى تستريح ذرات رمله ويحتويه الشفق بأجنحته .. ويقول للشمس: أنا هنا فخذيني بين يديك!”

“تأخذني المسافات البعيدة وتقذف بي إلي ما وراء كوكب السعادة .. يبتعد الصوت وافتقد نفسي جدا .. جدا .. ثم أعود لأصغي فأجده قريبا جدا أقرب من وريدي إلي والتحم به واغفوا في بلاطه – تعني العودة للوطن والالتحام ببلاطه أرضه وترابه – .. الوطن يتشكل بنا وحين نتحدث بصوته نكون نحن”.

وقال الباحث إن كلمات فوزية الجار الله عن الوطن .. تفيض عشقا .. وحمية .. للوطن .. كلمات نابعة من دواخل مفعمة بالفداء للوطن .. كلمات معبرة عما يغمر دواخل لنفس مواطني المملكة من حب، وولاء للوطن .. دون الوقوع في مزالق السفسطة وفضول الكلام. إنه حدث صادر عن كاتبة تؤرقها هموم أمتها .. أرضا وشعبا كاتبه مرتبطة بقضايا أمتها الكبرى، فأقامت في أفكارها اتصالا وثيقا بين وطنها الصغير – المملكة – وبين وطنها الكبير – الأمة العربية – فكاتبتنا نشأت محبة للأوطان مع وطنها وللآهلين مع أهلها ترعي لوطنها حقه، وترعي للأوطان حقوقها.

– وحول صورة الوطن في كتابات الكاتبة السعودية مها بنت عبدالله الخالدي. قالت الدراسة إن مها بنت عبدالله الخالدى كاتبة تملك قدرة علي التعبير عن نفسها. وعن أفكارها بقوة ووضوح وغزارة. تمتاز كتاباتها بدقة الطرح والتناول .. كتاباتها عن “الوطن” تخرج من “أعمق أعماق” الفكر والروح .. نابعة من أعماق إنسانة سعودية أصيلة .. عاشقة لوطنها .. ذلك الوطن استحوذ علي تفكيرها منذ أن زرعت شمس حياتها .. فأضحت محبة له ولمدنه، وقراه .. مؤثرة إياه – أي الوطن – علي سائر المدن، والأوطان.

– وحول صورة الوطن في كتابات الكاتبة السعودية نورة محمد المحيميد قالت الدراسة: إن نورة المحيميد كاتبة مبدعة، ورقيقة. تبحر – عبر عطاءاتها – إلي ذلك العالم الجميل .. عالم الحرف والكلمة .. باحثة عن الكلمة الصادقة المعبرة. إنها كاتبة نشأت على حب الوطن .. موطن الأهل والسكن.

كتاباتها عن الوطن تؤكد أنها نصوص لكاتبة ما أن شبت عن الطوق حتى ذكرت مع الذاكرين: حرمة وطنك عليك كحرمة أبويك. وما أن استوت، واستقرت حتى قرأت مع القارئين: أحب مواطن الدنيا لنفسي.. وأشرفها وأخصبها بلادي .. أقدس أرضها عن كل أرض.. وعن كل المواطن والبلاد.

– وعن صورة الوطن في كتابات الكاتبة السعودية فاطمة فيصل العتيبي، قالت الدراسة إن فاطمة العتيبى كاتبة ذات لغة خاصة، جديدة، نضرة النسيج .. غير مستعارة .. تعتمد في اختيارها لموضوعاتها على التعامل مع لحظات إنسانية تمور بالدلالات .. وأن حديثها عن “الوطن” يأتي حساسا .. فياضا بالحب والعطاء، حيث تقول في إطلالة لها بعنوان “كل تلك الأحلام مزقتها يا صدام: هذا الوطن الذي تغمر رمله بين راحتيك .. تحرص عليه .. أرحه في قلبك .. أرحه في عينيك، رحيقا جميلا .. وأهمس به إلى سمعك ترتيلا مشتعلا لا ينفض .. احن هامتك لخالقك .. ادعه كثيرا ليبقي هذا النبض الداخل في العروق .. أمنا عزيزا .. كريما. أسجد كثيرا .. وأطل في صلاتك .. وأحمد الله كثيرا فالشكر يديم النعم، والجحود يزيلها.. ليلة هلع واحدة كفيلة بتمزيق أحلامك التي دونتها ضمن (روزنامة) عامك الجديد!

وهكذا حملت كلمات فاطمة العتيبى عن الوطن حبا سكن بقلبها منذ دبت فأهاج مشاعرها .. وأيقظ وجدانها .. ثم حرك لسانها ليعبر عن هذا كله، وهذا يدل على أن حمية فاطمة العتيبي لوطنها موصولة بنفسها لا تفارقها حريا وسلما. تعرفها نفسها في الحرب على صورة وتعرفها في السلم علي صورة. وهي في هذا كله تتمثل بهدي القائل: أحفظ بلدا رشحك غذاؤه، وارع حمي أكنك فناؤه.

– وحول صورة الوطن في كتابات الكاتبة السعودية حصة إبراهيم العمار، جاء في الدراسة أن حصة العمار كاتبة حساسة .. تتسم كلماتها بالدفء والحرارة. لغتها ناضجة، عذبة، قريبة من لغة الحلم. تعتمد في كتاباتها على التعامل الجيد مع اللغة .. تشكيلا ووعيا وبصيرة. حديثها عن الوطن ينسكب برشاقة. في لغة رصينة الألفاظ والمعاني. نصوصها عن الوطن تحمل حبا وحمية صادرين عن نفس محبة لوطنها. نفس سمعت كلمة الوطن مع كل ما تسمع ورأتها في كل ما تنظر وأحستها في كل ما تحس، فملأت عليها السمع والبصر والفوائد. عزت عليها فحمت لها.. وهامت بها. فجاء تعبيرها عن ذلك كله في أسلوب أدبي ينفذ إلى النفوس. ويتوغل في الأفئدة.

– وحول صورة الوطن فى كتابات الكاتبة السعودية جهير عبدالله المساعد، قالت الدراسة إن جهير المساعد كاتبة نبيلة، جيدة البديهة. الكتابة لديها ليست مرحلة وقتية في عمرها، ولكنها عطاء يتأثر. ويحس، ويشعر، وينبع من الأعماق.

كتاباتها عن “الوطن” تحمل الكثير من الولاء والعزة والإيثار. تقول في خاطرة لها بعنوان “ذكرى في يوم مختلف”: يا بلادي. يختلف بنا اليوم وبك اللقاء! اليوم في أعطافنا الحب أكبر. وفي بيوتنا الولاء أكبر. وفي ثقتنا بالله ثم بك نتحد أكثر وأكثر. اليوم مختلف وقعة عن كل موعد. ولذا أني أراك اليوم أبهي. وأحسك أقرب. وأعيشك أجمل.

وصفت الدراسة نصوص جهير المساعد عن الوطن بأنها تمثل “الحب / الحمية للوطن. ذلك المتنفس لنفس الكاتبة مع الهيج. لوحة.. تنطق عن إعزاز، وإجلال، ووفاء. جعل جهير تمتلئ ” حمية. وتمتلئ حفاظا. تدفع عن وطنها لئلا يدنس، وثراه من أن يلوث. إنها لوحة لروح من التكاتف. وقدرة لا محدودة علي بذل التضحيات بالروح والمال. وكل ما يملك الإنسان لأجل أن يحيا الوطن.

– وحول صورة الوطن في كتابات الدكتورة ثريا العريض قالت الدراسة بأن ثريا العريض كاتبة سعودية تبحر بقارئها عبر محيطات عالم الورق، ومراقيء الكلمات نحو الحقائق الجوهرية للكون والإنسان بعيدا عن سطحية المضمون، وبريق قشور المظاهر وهوامش الأشياء كتاباتها تتسم بقدرة على الحوار الصادق الدافئ مع ذاتها ومع الآخرين. تفاجئنا في حديثها عن “الوطن” بكلمات مثل نبت الصحاري مصرة على استمرارية الحياة والحوار. مشرعة الأبواب للتأمل وتبادل الرؤى وطرح الأفكار.

إن كتابات الدكتورة ثريا العريض وحديثها المتجدد عن الوطن هو حديث كاتبة أصيلة عن وطنها الذي نبتت فيه وسط أشخاص أعزاء عليها. وأشياء حبيبه إلى نفسها. فشبت به سائغة الشرب. وعاشت فيه أمنه السرب. لا تفرغ من ارتياد حياض رياضه إلا إلى طرب يغمر ميدانه. فجاءت كلماتها عنه كما انطلاق الأشرعة لمعانقة الأفق الأزرق.

– وحول صورة الوطن في كتابات المبدعة سلطانة عبدالعزيز السديري، وصفت الدراسة أنها شاعرة مجيدة، وأدبية متأدبة، الكتابة لديها مسئولية وليست مجرد ظهور فكري. الوطن عندها امتداد لوجودها وعزتها وكرامتها.

القارئ لكتاباتها يجد أدبا إنسانيا متميزا بالرقة والنعومة، والحرارة التي تفوح من بين الكلمات والمشاعر والمواقف. ويتجلى ذلك بوضوح في كتاباتها عن الوطن التي يأتي حديثها عنه كحديث من عاش موصولا ببيئته لا فكاك له منها. وكادت أن تكون صلته ببيئته – أعنى وطنه – أوثق وأقرب من صلته بأسرته، وأن نصوصها عن الوطن تؤكد أن حديثها عن المملكة هو حديث وفاء من كاتبة لأرض وطنها التي درجت على ظهرها وتنسمت هواءها، وطعمت غذاءها وشربت ماءها، فكانت منها آمالها، وعواطفها التي جمعت فيها حميتها، وأحاسيسها التي كونت عقلها بلسانها نطقت، وبهديها سعت، بعشيرتها احتمت، ولذلك فقد جاءت مشاعرها نحو الأرض بلادها أعمق وأكبر من كلماتها بكثير.

– وتناولت دراسة الباحث المصري حجاج سلامة عن صورة الوطن في كتابات الكاتبات السعوديات قراءة في إبداع وعطاء ونصوص ثلاثة عشر كاتبة سعودية هن: فاطمة القرني، وسلطانة عبدالعزيز السديري، وريم سعود، وفوزية الجار الله، ومها بنت عبدالله الخالدي، ونورة محمد المحيميد، وفاطمة فيصل العتيبي، وحصة إبراهيم العمار، وجهير عبدالله المساعد، والدكتورة ثريا العريض، ونورة البياهي، ورقية حمود الشبيب، وعهود اليامي.

واختتم الباحث دراسته عن صورة الوطن في كتابات الكاتبات السعوديات بتأكيده على أن الكاتبات السعودية ارتبطن بوطنهن العربي ونشأت كل كاتبة منهن محبة للأوطان مع وطنها، ومحبة للأهلين مع أهلها، ترعى لوطنها حقه وترعى للأوطان حقوقها، ثم هي على هذا تؤثر وطنها على الأوطان، تحب أن تسبق خطوة، وأن تعلو كعبة وان يسمو على الضرر والأضرار.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى