«حرام الجسد» لخالد الحجر: البؤساء لا يثورون

محمد بنعزيز

شكل فيلم «حرام الجسد» إطلالة على المشهد الخلفي للثورة المصرية بعد تنحي حسني مبارك. نكتشف محنة عامل زراعي في حقل كثير الصفرة قليل الخضرة. نكتشف بشرا على حافة الجوع… يعيش حسن وفاطنة وعلي حياتهم يوما بيوم، بلا أفق… بينما يعملون بجد لزيادة ثروة «الباشمهندس»، صاحب المزرعة الذي يأتي من المدينة لأخذ الدجاج.
نظريا، أولئك العمال الزراعيون تناسبهم الثورة لأن الفقراء «لن يخسروا شيئا إذا جاء عاليها واطيها» كما تقول إحدى شخصيات رواية «إنهم يأتون من الخلف» لبراء الخطيب… شخصيات لديها تعطش لغد أفضل وليس لديها أي وسائل لتحقيقه. يكبلها الخوف والإنهاك البدني والإيمان «بقَدَر ربنا». لا يمكن للفرد المستسلم ـ المتصالح مع واقعه أن يثور…
تجري الأحداث ـ في الفيلم 115د إخراج خالد الحجر بطولة ناهد السباعي وأحمد عبدالله محمود، محمود البزاوي وزكي فطين عبدالوهاب، والذي عرض ضمن مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لفيلم المرأة 16-21 أيلول/سبتمبر 2016 ــ بعيدا عن الميدان وبعيدا عن التحرير. لم تصل ريح الثورة للفلاحين. من لم يوفر الحاجيات الأولية لن يصعد للحرية…
احباط وإكراه
هيمن الإحباط والإكراه على سلوك ومزاج الشخصيات. ذكور بلا رغبة جنسية، باردون مملون يتباهون بمعجزات الفياغرا التي تصالحهم مع واقعهم… للشخصيات قدرة رهيبة على التصالح مع واقعها، التصالح مع الواقع يخفف القلق بل يمحوه، إنه «قدر ربنا»، في كلّ مرة يقع تصالح يصفق الجمهور في السينما الواقعة في حي شعبي ضخم. يصفق الجمهور لمن يحقق أمانيه.
السيناريو مشحون بمعطيات عيانية عن منظومة العلاقات الاجتماعية مثل عبء العلاقات الدموية القبَلية على العلاقات التعاقدية، قهر اقتصادي، قهر جنسي وقهر عاطفي… واستغلال مزدوج في الحقل والسرير… إنها حكاية فاطنة تحت ثلاثة، لكن في العرض حُذفت الكثير من اللقطات حرصا على السينما النظيفة والجمهور النظيف…
في المدينة المشهد مختلف، هناك مزاج برجوازي صغير ترعبه الجماهير ويراها دما ونارا. فأبناء صاحب المزرعة يأكلون جيدا لكنهم غاضبون، لا يخطر الجوع ببالهم، يتسلون بركوب الحمير ويعتبرون آباءهم «فلولا»، تتعارض مصالح الأهل وأحلام الأولاد. يرفض أولاد الفلول التشبه بالجرذان الذين يفرّون من السفينة لحظة الغرق. غريب أن يحاول أبناء المستفيدين قيادة الثورة ضد مصالح آبائهم ويتوقع أن تنجح. مع تقدم الفيلم يتضح أن الفلول مصلحة ملتصقة بالأرض وليست أيديولوجيا تلعب بها الرياح. الفلول شبكة مصالح حيوية.
مدن مختلفة
توجد مسافة كبيرة بين بؤس المدن وبؤس البوادي. وغالبا فالذين يتحدثون عن بؤس المدن يقارنون بين الشوارع المضاءة والشوارع الخلفية المعتمة والأحياء الصفيحية. وهذا البؤس يصير جميلا حين يقارن مع البادية. هناك حيث شيخوخة الفلاحين. يشيخ الرجل في الاربعين وتشيخ المرأة في الثلاثين، تظهر العروق في عنقها ولا تحمل قطعة لحم من كيلوغرامين في أي منطقة في جسدها… حينها يتزوج الفلاح من جديد فيطمع الباشمهندس…
حب فاطنة وعلي صيغة لما بعد الربيع العربي، تقول له فاطنة تصرّف ففعَل مرتين، وكانت نتائج التفويض كارثة. كان لدى فاطنة بديل واحد سيئ واختارته، حتى مصر اختارت البديل الوحيد المتاح وفوّضته أمرها.
الثلث الأخير للفيلم ثقيل وممل، له إيقاع مسلسل تلفزيوني لأن طاقة المخرج نفدت. فقد انخفض الإيقاع، وكثرت العاطفية التوضيحية والأداء المتشنج والكثير العاطفية الزائدة ودغدغة الجمهور بحس تجاري على حساب مصداقية السرد… وقد استخدم مدير التصوير إضاءة طبيعية كما في فيلم «المنبعث» لأليخاندرو غونزاليس إيناريتو، لكن المحاولة لم تعطِ النتيجة الجمالية نفسها، والسبب أن شمس مصر قوية تقهر الكاميرا بخلاف شمس منطقة ثلجية…
قبل بدء عرض الفيلم في المهرجان أخبر المتفرجون «فيلم للكبار»، مرت الدقائق ولم يرَ المتفرجون إلا وجوها تتقارب، ولم يروا أجسادا تلتقي لأنها حذفت ما دامت رؤية الجسد حرام.
من العنوان تظهر المنظومة المعرفية التي يتحرك فيها المخرج، فالعالم مقسوم ليس أفقيا بين طبقات بل مقسوم عموديا بين الحلال والحرام وهذا «قدر ربنا».. لذا لا غرابة أن يصطف الفلاح في صف سيده دفاعا عن الحلال. لا يعقل أن يكون الفلاح اكثر ثورية من المخرج. فلاح رجعي مرعوب من الفوضى يقبل اليد التي وهبته حبة فياغرا. الثورة لا تعرقل توزيع «هذا البرشام». ومع ذلك يتعجب الفلاح من حصول الفوضى في بلد مذكور في القرآن… فوضى وتمرد بلا أفق لأنه إن لم يتحرر البطن والفرج فكيف يتحرر العقل؟
دون تحرر اقتصادي للبؤساء ودون عمق ثقافي ستتمكن فلول الثورة المضادة من استرجاع مواقعها، ولا عزاء للعاجزين.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى