‘يهود الإسكندرية’.. رواية تاريخية ذات طابع ملحمي

ماهر حسن

“يهود الإسكندرية» رواية صدرت حديثا للأديب السكندري، مصطفى نصر تعكس درايته بالتاريخ وكيفية استثماره روائيا دون المساس بثوابته، كما عكست درايته بالتاريخ الاجتماعي للإسكندرية.

الرواية تتمتع بخيال غني يتجاوز الوصف المحدد سلفا والضيق والسائد لمسمى ووصف “الرواية التاريخية”، وقد اشتهرت المنطقة التي كانت مسرحا للسرد الروائي بتجمعات يهودية انخرط كثير منهم في نسيج المجتمع المصري، ومنهم من أشهر إسلامه، فقصة الولي اليهودي (جون) التي ربما تلمح إلى (أبوحصيرة) لها مبررات فنية تقوم على الخيال أصلا ولكنها تجسد الحلم اليهودي بأرض الميعاد.

فأرض (الطابية) التي منحها الخديو سعيد لحلاق الصحة اليهودي الذي عالجه من تقرحات جسده تتحول عند (عامير) الأب الروحي ليهود إسكندرية، إلى فرصة لوطن يلم شتات يهود العالم، ثم تتحول رحلة الهجرة إلى الأرض الجديدة إلى بوتقة تكشف عن العمق التاريخي المعقد للشخصية اليهودية، وبالتبعية تنتهي الرحلة إلى ما يشبه المذبحة.

وبعد سلسلة من العلاقات الجنسية المحرّمة والخيانات والحمل السفاح، تتخلص (هادية) من زوجها (جون) في مشهد يذكرنا برقصة سالومي بعد مقتل يوحنا المعمدان حيث شرب جون السم من يد هادية وهي ترقص له عارية، ومات فيما هو يبتسم، وظلت الابتسامة على وجهه فاعتبروه وليا، فبنوا له ضريحا، وأقاموا له مولدا سنويا.

لكن هذا التقليد تحلل مع الوقت، ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، وهروب عدد كبير من يهود الاإسكندرية من الاضطهاد النازي بعد اقتراب قوات روميل من الإسكندرية.

ومن المهارات الروائية التي نقف عليها من خلال هذا العمل هو خلط التاريخي المتعين بالخيال الروائي الخصب هكذا، (الإسقاط) حيث يمكن للمؤلف أن يبتكر علاقات ووقائع متخيلة، دون مساس بالثوابت التاريخية.

أيضا نعرف شيئا متعينا من خلال نسج شخصية روائية متخيلة فهناك ضابط مصري يقوم بعمليات فدائية ضد الإنجليز بالتعاون مع صانع متفجرات يهودي، ولعل المرادف الواقعي لهذا الضابط هو أنور السادات الذي تعرض للطرد من الجيش المصري، لكنه ضابط يلجأ لأي وسيلة لتحقيق غرضه الوطني والسياسي مثلما تعاونه مع اليهودي حتي أنه حين صار رئيسا لم يجد غضاضة في الدخول مع إسرائيل في معاهدة سلام.

والرواية تبدأ من عهد (سعيد باشا) إلى عهد (السادات)، وهي فترة تمتد إلى مائة عام، ولم يغفل خلالها الروائي مصطفي نصر ما طرأ من تحولات اجتماعية على المجتمع المصري.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى