السينما من الافتراضي إلى الواقعي

غادة حداد

رجل ستيني قطع مسافة من الشمال إلى بيروت لمشاهدة فيلم سمع عنه على «الراديو». بثت المحطة حينها مقابلة مع المشرفين على «نادي السينما اللبناني» الذي كان في طور تأسيسه. لفت وجود هذا الرجل، نظر المنظمين، إذ إن العروض تُنشر على صفحة النادي على موقع «الفايسبوك». ينتمي الرجل، عمليا، إلى جيل كان يقصد السينما لمشاهدة الأفلام حصرًا، قبل أن تغدو السينما جزءا من الحركة الاستهلاكية، فبات الفيلم خيارًا بعد التبضع والأكل في المجمعات التجارية الكبيرة.
يسعى the Lebanese cinema club لإخراج الأفلام من دائرة الاستهلاك. بدأ المشروع من عامٍ ونصف، وهو واحد من خمسة مشاريع تعمل عليها شركة the media booth التي أسسها المخرج اللبناني أديب فرحات إلى جانب يحيى داوي ورنا فرحات ونانا شومان ومحمد الحاج.
النادي الذي بدأ على «الفايسبوك»، سرعان ما خرج إلى الحياة الواقعية. هو المشروع الأول للشركة التي تعمل على تنظيم عروض لأفلام لم تأخد حقها في دور السينما اللبنانية، أو تلك التي عرضت فقط في المهرجانات. تُنظم العروض في صالات مجانية «لذلك نضطر للانتظار في كثير من الأحيان شهرًا كي نعرض»، يقول فرحات في حديث مع «السفير». معظم المسارح ودور السينما تطلب حوالي 300$ لكل عرض، فيما النادي يعرض الأفلام مجانًا، «نضع صندوق تبرعات، لكن لا يمكننا إلزام الناس بالدفع». أضف إلى أن النادي لا يبغي الربح، وما من ممولين، كلّ المصاريف يتكبدها المنظمون.
يعرض النادي افلاما لمخرجين معروفين مثلما يعرض أفلام طلاب. يقدم 15 طالبًا أفلامهم ويتمّ اختيار ستة منهم. تقنيات التصوير ليست شرطا أساسيا لقبول الفيلم، يقول فرحات، بل الموضوع، فغالبًا ما نختار أفلاما تحمل قضية. عند عرض كل فيلم يكون المخرج حاضرًا، فيتبع العرض نقاش معه. «التفاعل مع المخرج بعد انتهاء العرض يكون رائعا. الناس تنتظر إما لمدح العمل أو (برش) المخرج»، إلى جانب التعرف على المخرج والحديث معه عن تقنيات العمل وصعوباته. عند عرض أفلام الطلاب يحضر بعض الاساتذة والمنتجين التفلزيونيين، لكن كجمهور لا كمتخصصين. في أول العروض كان الحضور يصل إلى اربعين شخصًا، أما اليوم فبات العدد يصل إلى السبعين. حاليًا يعمل النادي على برنامج السنة الجديدة، حيث سيعرض أفلاما في سينما «ستارز» في النبطية، كما يُعمل على إقامة عروض في المخيمات الفلسطينية في بيروت. إلى جانب النادي، تعمل الشركة على مشروع جديد، Lebanese cinema database. ويتلخص في إنشاء صفحة على «الفايسبوك» تقوم على أرشفة الأفلام اللبنانية حسب سنين إنتاجها. فيمكن للمتصفح أن يرى ما هي الأفلام التي أنتجت في كل عام، وترافق كل فيلم لمحة عن القصة إلى جانب أسماء المؤلف والمخرج وكل التقنيين. الهدف الرئيسي لهذه الصفحة هو خلق أرشيف للسينما اللبنانية تكون بمتناول الجميع، يقول فرحات. إلى جانب معرفة أسماء من عمل في الفيلم، من مصورين وتقنيين، من جهة لإعطائهم حقهم، ومن جهة ثانية لتسهيل التواصل مع المخرجين للتعاون في ما بينهم في أعمال جديدة. مصدر معلوماتهم متعددة، هناك مخرجون تعاونوا مع الشركة كفيليب عرقتنجي وهادي زكاك، فقدموا بيانات كلّ أفلامهم، فيما يجد المشرفون على الصفحة صعوبة في البحث عن المعلومات للأفلام القديمة، أحيانًا يلجأون إلى أشخاص مقربين من المخرجين، أو العودة الى (جنريك) الأفلام عينها، كما حصل مع فيلم «حروب صغيرة» للمخرج مارون بغدادي.
وجد البعض في العالم الافتراضي مساحة تلاق مع أشخاص يشاركونهم الاهتمامات نفسها، فيما استثمر أفراد هذا النقطة لتطوير مجال يستهويهم. ما يعمل عليه فرحات ورفاقه افتراضيًا لن يستقطب إلا ذوي الاختصاص وعشاق السينما. بيد أن العمل على الارض، الى جانب صعوبته، يخلق مساحة للسينمائيين والطلاب لتأخد أعمالهم حقها، في ظل هيمنة شركات إنتاج ضخمة على صناعة الأفلام والنجوم على حدٍ سواء.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى