سوليان إبراهيم… جولييت المتمرّدة على دور الضحية

نبيل مسعد

 

يتخيل الفرنسيون أن اسم سوليان يتميز بجذور عربية خصوصاً أن صاحبته، الممثلة سوليان إبراهيم، تحمل اسم عائلة عربياً، وبالتالي تضطر النجمة التي تؤدي شخصية جولييت حالياً في مسرحية «روميو وجولييت»، في كل مناسبة صغيرة كانت أم كبيرة، إلى الإيضاح أن سوليان من الأسماء القديمة العائدة إلى منطقة بريتاني الفرنسية والنادرة الاستخدام الآن. ويعود الأمر إلى كون سوليان إبراهيم مولودة من أب مغربي وأم فرنسية تنتمي إلى المنطقة المذكورة.
وبدأ نجم الفنانة البالغة من العمر ٣٨ سنة، السطوع في شكل لافت جداً في الآونة الأخيرة إثر أدائها دور البطولة في مسرحية «روميو وجولييت» وذلك ليس فوق خشبة أي مسرح باريسي عادي، بل في إطار فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الوطنية المرموقة وتحت إدارة المخرج إيريك روف، وهو في الوقت نفسه مدير الفرقة. ولا شك في أن «روميو وجولييت» من مسرحيات شكسبير الكلاسيكية التي تقدّم دورياً على كبرى الخشبات على المستوى العالمي، كما أن أهم الممثلات وأكثرهن موهبة أدّين شخصية الفتاة التي تقع في غرام روميو المنتمي إلى عائلة تكره عائلتها، وترى في قصة الغرام التي تربط بين الحبيبين جريمة في حق الشرف العائلي لا بد أن تنتهي بسفك الدماء.
ما الذي يفرق إذاً بين النجمات صاحبات الدور في الماضي وسوليان إبراهيم التي تمثله كل ليلة حتى نهاية شهر شباط (فبراير) ٢٠١٧، علماً أن كل التذاكر مباعة منذ الآن وأن القاعة تضم ٢٨٠٠ مقعد؟ الفارق يكمن في الأسلوب الذي تعتمده إبراهيم في تقديم البطلة، فبينما ظلت جولييت حتى الآن ضحية عائلتها ومصيرها البائس، طبقاً لما كتبه شكسبير أساساً، ها هي جولييت القرن الحادي والعشرين تسعى إلى الإمساك بزمام هذا المصير قدر المستطاع وتدفع بحبيبها روميو إلى خوض معركة ضد الذين يرغبون في قتله وحبسها هي في دير بقية حياتها. إنها جولييت من نوع جديد، قوية صلبة ترفع التحديات، حتى إذا كانت نهايتها محتومة أسوة بنهاية روميو، فهي على الأقل تناضل حتى اللحظة الأخيرة.
ولا يعود الفضل في هذا التغيير الأساسي بالنسبة الى دور جولييت، إلى سوليان إبراهيم وحدها بل أيضاً وبطبيعة الحال إلى مخرج المسرحية إيريك روف، فهو الذي أراد تحليل عمل شكسبير بطريقة جديدة مختلفة عما سبق خوفاً من المساس بعمل كلاسيكي دخل التاريخ. وعثر روف في إبراهيم على الفنانة المثالية لتنفيذ رؤيته والتجرؤ على خرق التقاليد خصوصاً في المسرح الوطني الذي يعد من واجبه احترام النصوص الكلاسيكية وتقديمها مثلما كتبت في الأساس.
لعب روف ورقة خطيرة جارفاً في تياره ممثلة شابة كان في إمكان الجمهور أن ينبذها بسبب ما فعلته بجولييت الضحية محبوبة الملايين. ولكن التجربة أوتيت ثمارها وصارت سيرة سوليان إبراهيم على كل لسان وصورتها فوق أغلفة أكبر المجلات الفرنسية مصحوبة بعناوين تفيد بأن جولييت الجديدة تطابق هوية المرأة المعاصرة الرافضة لموقف الضحية في المجتمع.
وقالت إبراهيم أنها ترفض الأدوار المعروضة عليها في السينما والتلفزيون إذا كانت تصورها في شكل امرأة عربية مغتربة مغلوبة على أمرها، علماً أنها وقعت حديثاً عقداً يربطها بقناة تلفزيونية عرضت عليها تولي بطولة مسلسل تؤدي فيه دور مفتشة بوليسية تحل القضايا المستعصية.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى