ألكسندر دفجنكو: السينما خارج التنميط السوفياتي

ليث عبد الأمير

منذ رائعته فيلم «الأرض» الذي اختير من قبل مجموعة من النقاد العالميين واحداً من أجمل الأفلام السينمائية في العالم، يُلقّب المخرج الأوكراني الأصل، ألكســــندر بيتروفيتش دفجنكو بـ«الشاعر».
هذا المخرج يعتمد، حسب النقاد، عمق اللغة التعبيرية، والمشاهد التي لا تستعجل الزمن وتأخذ معانيها لا من تدفق الصور والمشاهد السريعة ولا من تنوع أحجام اللقطات كما كان متبعا في ذلك الزمن من تاريخ السينما، وإنما من عمق المعنى داخل المشهد نفسه. وهو عن حق ظاهرة فريدة في السينما العالمية منذ باكورة أفلامه التي بدأها في فيلمه الصامت «المصلح فاسيا» عام 1926.
لكن أفلام «الشاعر»، التي لا تتوقف عن إدهاشنا سواء الصامتة أم الناطقة، لا تنفصل دراستها عن تفاصيل حياته المثيرة للجدل. فدفجنكو الذي ولد عام 1894 في قرية بريف أوكرانيا تدعى سوسنتسا، كان شخصية قلقة ذات طبيعة فلاحية صعبة المراس يرفض المساومة على مبادئه كما أنه كان فخورا في انتمائه الريفي وجذوره الفلاحية.
عاصر المخرج الأوكراني مرحلة مهمة وخطيرة من تاريخ الاتحاد السوفييتي وهي فترة حكم ستالين والحرب العالمية الثانية مصوراً خلالها أجمل أفلامه الوثائقية كفيلم «معركة من أجل أوكرانيا السوفييتية» عام 1943.
عن هذا الفيلم يقول، فلادسلاف ميشكا الذي صور بعض مشاهده إن «دفجنكو كان يرسم له المشاهد التي يجب تصويرها في رسوم توضيحية يجسدها على الورق بقلم الرصاص، شارحاً له كل ما يجب أن يصوره، رغم أن الفيلم كان وثائقيا وليس روائياً».
ويضيف: «دفجنكو كان يعرف ماذا يريد بالضبط، وهو المراسل الحربي الذي عمل على جبهات القتال منذ بداية الحرب العالمية الثانية، كان يرى ببعد نظر ثاقب ما كان ينتظره المصورون من أحداث، لذا جاء فيلمه معركة من أجل أوكرانيا السوفييتية صادما وجريئا يختلف تماما عن شكل الأفلام الوثائقية السوفييتية السابقة».
لقد سعت الأفلام السوفييتية التقليدية آنذاك إلى تصوير مشاهد الفرح وارتياح الناس في ظل السلطة القائمة رغم مآسي الحرب. وتعمدت عرض انتصارات الجيش الأحمر مهما صغر حجمها من دون الخوض في الجوانب التدميرية للحرب على حياة الناس والدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والمباني الأهلية. وعليه، تكرّرت مشاهد مطاردة الجنود السوفييت العدو النازي داخل بلدهم المحتل إعلانا للنصر.
لم تكن تجرأ الأفلام الوثائقية في تلك المرحلة على تصوير الوجه الآخر للحرب وانفردت بتصور أفلام دعائية، تشحذ العواطف ضد جيوش هتلر الغازية. ولكن بالضد من هذا التوجه صور دفجنكو في أفلامه الوثائقية بلده المحتل أوكرانيا وهي تحترق وتداس تحت أقدام الجيش النازي.
صوّر جثث الجنود السوفييت المقتولين على الجبهة الأوكرانية، وبكاء النساء الثكلى والرجال الذين قضوا شنقا من قبل الجيش النازي في الأيام الأولى من الاحتلال، قاصداً بذلك شحذ العواطف ضد المحتل لا تمجيد سلطة السوفييت أو ستالين كما كان متبعا آنذاك.
فيلم «معركة من أجل أوكرانيا السوفييتية» يعتبر واحدا من أكثر الأفلام جرأة لأنه قال حقيقة لم يجرأ أحد، في ذلك الزمن الستاليني الصعب لا من المخرجين ولا من الكتاب، أن يقولها.

العلاقة مع ستالين

العلاقة بين ستالين ودفجنكو، لم تكن يوماً علاقة شخصية ودّيّة، إنما كانت ذات جذور سياسية قديمة مبنية، حسب رأي الكثير من المراقبين والمختصين الأوكرانيين، على نوع من عدم الارتياح الذي كان يكنه الديكتاتور إلى الشعب الأوكراني. وكانت هنالك حالة من انعدام الثقة لدى ستالين، وذلك بسبب المقاومة الشرسة التي أبداها الأوكرانيون للانضمام إلى ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي سابقاً.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى