فادي الشمعة يبحث عن الوجه في فضاء اللوحة

ياسر سلطان

تستضيف قاعة «سول» في منتجع الجونة على ساحل البحر الأحمر في مصر معرضاً لأعمال الفنان فادي الشمعة (1960) بعنوان «انحرافات». وفادي الشمعة هو لبناني يعيش متنقلاً بين عواصم عربية عدة. وهو فنان متعدد الوسائط تتراوح أعماله بين التشخيص والاستغراق في التجريد، وتتسم بحالة تعبيرية تتسق مع رغبته في البحث عن تلك اللحظة المتوهجة التي تعبر عن رغباته وأحاسيسه الداخلية. هكذا يقدم الفنان تجربته مع اللوحة واصفاً حاله عند الجلوس أمام مساحة اللوحة الفارغة: «أنا أتحسس أخطائي، ولا أراقب مشاعري، وأغلق مجال أفكاري. أستخدم الفرشاة لأسجل بصمتي، أول ضربة بالفرشاة تستدعي الأخرى، لكني أتوقف حين تبوح اللوحة بأسرارها أو تكشف عن نفسها لي». ويضيف: «أريد للوحاتي أن يكون لها تأثير عميق في مشاعر المتلقي، أن تزعزع تصوره وتخترق خياله، حينها أدرك أني نجحت».
تتعدد الأشكال البصرية التي يتناولها فادي الشمعة على أسطح لوحاته، من الطبيعة الصامتة في رسومه للنباتات والفاكهة إلى المشاهد العامة والبورتريه، غير أن للبورتريه مكانته الخاصة في قلب اللوحة، فهو يبحث عنه بين دفقات الألوان والخربشات وضربات الفرشاة الكثيرة التي يملأ بها السطح إلى أن يعثر عليه أخيراً، حينها يتوقف عن الرسم. فهو كمن يخوض حالة من الاكتشاف أو البحث عن ذلك الوجه الصريح والخادش للفراغ. هو يبحث عن الوجه على سطح اللوحة لأن «الوجه لا يكذب والتفاعل معه أصدق»، كما يقول.
في معرضه، يبحث الشمعة عن حالات التحول أو الانحراف عن المسار التي تنتاب تجربته أحياناً، يحاول التمسك بها ويتأمل دوافعها لاستنباط أسبابها وملامحها. وهو نوع من الممارسة التصويرية تنقاد فيه أدوات الفنان لمشاعره التي يحاول التعبير عنها أو تركها تتدفق على علاتها فوق سطح العمل.
الانحراف هو مفهوم لحالته الشعورية العامة التي تسيطر عليه في لحظة ما. ويقول: «حين تأخذني تجربة ما بعيداً مما كنت عليه، أجد لوحاتي تعبر بصدق عن هذا التغير. إنني مهتم بهذه الحالة لأنها غنية بالإبداع».
تتسم أعمال فادي الشمعة بشحنة من التوتر والقلق وعدم الثبات. فهو ينتقل من حال التجريد إلى التشخيص، ثم من التشخيص إلى التجريد من دون أن يصنع لنفسه حدوداً فاصلة.
وقد تشتمل اللوحة على النقيضين معاً ليجد المتلقي نفسه متورطاً في حالة البحث ذاتها التي يؤكدها الفنان في أعماله. حالة الانتقال المتوتر التي يخوضها على سطح اللوحة تشبه تجربته الشخصية في عدم الاستقرار وتنقله الدائم في المكان، الأمر الذي زاد اقتناعه بأن «وطني الخاص متّسع وغني بالتجارب الإنسانية الفريدة التي أطمح إلى اكتشافها».
وحول انطباعات الفنان الشخصية كممارس ومراقب عن كثب للحركة الفنية في منطقتنا، يقول: «الخوف يقتلنا ويشلنا. لا نريد إلا ما نكون نحن عليه وما يراه الغير فينا. لا نريد أن نتعرى ونظهر حقيقتنا. واللوحة هي مساحة الحرية الذاتية، لكني لا أرى فيها ذلك العري الذي نخفيه بدافع الرقابة الذاتية، وفي أعمالي دائماً أحارب الرقابة الذاتية». ويضيف: «أنا مؤمن بأن لكل مكان وزمان ميزته وطاقته الخاصة اللتين تطغيان على العمل: ألوان، مواد، وسائط، تفاعلات، أحاسيس مختلفة. وأنا لا أضع حدوداً لتلك الممارسات. أما التشخيص الذي أمارسه من خلال التجريد فهو ما أطمح إليه في أعمالي اليوم وغداً لأنه يتطلب استعمال مخيلة المتلقي لإتمام الشعور». ويشير الشمعة الى أن موضوع لوحاته ليس مهماً، «الألوان وضربات الفرشاة والطاقة والمساحات تشكل جميعها ملامح المشهد العام للمشاعر الإنسانية، وهي تتحرك بحرية بين التجريد والتشخيص وتجسد العلاقة الروحية بين الإنسان والنبات والحيوان والطبيعة ككل».
وفي 20 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، تستضيف غاليري روشان في منطقة الصيفي في بيروت، معرضاً لفادي الشمعة وصديقه وشريكه في الفن الشاعر والرسام سمعان خوام بعنوان «الشمعة في وجه خوام»، يستمر حتى آخر الشهر.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى