ناجي صوراتي.. المسرح والجغرافيا الجديدة

فاتن حموي

يقدّم المخرج ناجي صوراتي «جيوغرافيا – ذا ساينابس» من تمثيل كورنيليا كرافت، وهالة المصري، وهشام الحلاق، وفراس بو زين الدين، وجواد المولى وروجيه عازار الثامنة والنصف مساء الليلة (الثلاثاء)، وضمن فعاليات الاحتفال بمرور عشرين سنة على إنشاء مسرح المدينة، «بيتي الثاني» كما يقول صوراتي. والاحتفالية «تحدٍّ كبير، ما نقوم به هو ضرب من الجنون. قالت لنا نضال الأشقر: «كيف تركتموني أقوم بهذا المشروع. هذه الاحتفالية ليست فقط للعشرين سنة الأولى بل هي احتفالية بالفن والفنانين وبيروت ولبنان. المشروع برهان كبير على أنّه لا يجب أن نغضّ الطرف عمّا يحصل في العالم العربي. يمكن للإنسان أن يقدّم فنًا ويستمر وإلا سنغرق. الفن ردّة فعل على ما نرفضه. نحن بخير من جهة، ولكننا لسنا بخير بسبب ما يحصل. ونكترث لما يحصل».
يؤكّد عضو مجلس الأمناء في مسرح المدينة والأستاذ الجامعي لـ «السفير» أنّه لا ينطلق من نص مسرحي مكتوب ليقدّم أعماله المسرحية، فهو ينطلق من أفكار ونظريات، «أستلهم من كل شخص أعمل معه. لا أعلم إذا كان ما سيقدّم الليلة هو مسرحية، أعتبره عرضًا مسرحيًا. لا أطرح مشكلة واحدة أو قصة. لا شخصيات معيّنة. المشاركون في العرض هم أنفسهم، وما يقوم به كل شخص مستوحى من حياته وهواجسه ومخاوفه ومن نظرته إلى المشكلة».

تاريخ وجغرافيا
يروي صوراتي مسيرة الأفكار التي قادته إلى إنجاز مسرحيته بالقول: «حين بدأ التفكير بهذه الاحتفالية، قرّرنا أن يختار كلّ فنان سنة معيّنة لإنجاز عمله بشأنها. اخترت العام 2005 حين انتقل مسرح المدينة من كليمنصو إلى الحمراء. تغيّرت صيغة الاحتفالية، وبقيت على اختياري. أرى في العام 2005 تغييرًا جغرافيًا وكذلك تاريخيًا. دخلت إلى العمق، إلى جغرافيا العقل والجسم والمسرح والمدينة والعالم. منذ طفولتنا قيل لنا إنّ التاريخ والجغرافيا متصلان، والتاريخ نتيجة للجغرافيا والعكس صحيح. أعتبر أنّنا وصلنا إلى مرحلة من الزمن حيث حدثت أمور قلبت كلّ شيء رأسًا على عقب، وبتنا نشهد تشكيل جغرافيا جديدة، ليس فقط نتيجة الحروب بل نتيجة عوامل عدّة»، يستفيض صوراتي في شرح فكرة مسرحيته فيقول: «جغرافية الجسم هي نتيجة لكل ما يعيشه الجسم، فإذا حدث طارئ صحي يتغيّر جسمي، وأجبر على التأقلم مع جسم جديد ما يعني حياة جديدة، وهذا ما حصل معي حين تعرّضت إلى أزمة قلبية، وإذا تعرّض أحدهم لشلل نصفي فإنّ هذا الشلل سيلغي تاريخ جسمه. شبّهت ما يحصل في الجسم إلى الحروب التي تحاول إلغاء التاريخ، وتستخدم لتغيير الجغرافيا. بات الكثيرون في أميركا وأوروبا يقولون إن فلسطين كذبة، يحاولون تشويه تاريخها. يحاولون تكرار ما حصل في فلسطين في العراق وليبيا وسوريا. نزوح ولجوء وتغيير حدود». يشرح صوراتي ماهية «الساينابس» بالقول: «هو الفراغ الموجود بين «النيورونز» في العقل، إذا انعدم فلا اتصال بين الأفكار وكأنّه الفراغ الذي يربط التاريخ بالجغرافيا. حين يصاب المرء بالألزهايمر يعني عدم وجود الفراغ. الفراغ هو جسر التواصل بين المعلومات وما يحصل بين التاريخ والجغرافيا».

إنسانية ضائعة
يعلن صوراتي أنّ كورنيليا كرافت ستؤدي التوازن، وهالة المصري تؤدي الإنسانية الضائعة، «مستوحاة من حياتها، إذ تشعر أنّها تختلف مع نفسها وترى أنّ الإنسانية انهارت وكأنّها في عالم آخر»، وهشام الحلاق هو الشاعر الذي يعتبر أنّ الشعر يعيد العالم إلى ما كان عليه، وفراس بو زين الدين الذاكرة الضائعة، أمّا جواد المولى فهو التكنولوجيا، وروجيه عازار هو البراءة والطفولة. سيتشح الممثلون بالأسود، لأنّ الأسود حيادي بحسب تعبير صوراتي. تتولى كورنيليا تصميم الملابس، «سيلبس الممثلون أرضهم التي بنوها، وفي وقت معيّن سيوضبونها ليأخذوها معهم. مثل السلحفاة التي تحمل بيتها على ظهرها»، ينفي صوراتي وجود العنف بمعناه المتعارف عليه في أعماله، «يوجد عنف فكري. لا تواصل بين الشخصيات. كل شخصية تعيش في عالمها. التواصل محصور بالشاعر والتوازن، إلى أن تهاجر جميع الشخصيات التي هي في الحقيقة مجموعة صفات وكاريكاتيرات لشخص واحد».
يقول صوراتي إنّه لا يعلم ماذا تعني كلمة إخراج. «نعمل جميعًا ونقدّم نظرة مشتركة ونجرّب لنقدّم عملنا. أعتمد على المشهدية والإضاءة والعرض أساسه الموسيقى فهشام الحلاق ألّف الموسيقى ويعزف على البزق، وروجيه عازار على البيانو، لكنّه لن يكون ظاهرًا على خشبة المسرح، وفراس بو زين الدين على الأكورديون، وجواد المولى سيعزف من خلال الكومبيوتر.
يشرح صوراتي عن الديكور الذي يتولاه برنار ملاط: «نعتمد على فكرة لليوناردو دافنشي، هي جسر لا يعتمد على مسامير ولا حبال، تركّب الأخشاب بعضها ببعض. كان الجسر يستخد أيام الحروب لسهولة تركيبه وفكّه، سنفكّ الجسر في ثلث ساعة. الجسر يشكّل نقطة الالتقاء والعبور نحو الهجرة وهو الفراغ «الساينابس»».
يضيف صوارتي أنّ مدّة المسرحية هي 51 دقيقة و51 ثانية «بالصدفة المحض. العرض يرتكز إلى الارتجال وقد تزيد المدّة أو تنقص. أقول دومًا للممثلين إنهم أحرار بالتوقّف حين يشاؤون، فهم ليسوا روبوتات. الإحساس هو الأساس، وبالتالي كلّ شخصية تعرف ماذا يراد منها».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى