‘شجرة الزقوم’ تتأرجح بين مرارة الحياة وغواية الموت

تتأرجح رواية “شجرة الزقوم” للكاتب التونسي سعيد الساري بين مرارة الحياة وغواية الموت ليعالج جدلية الجهل والمعرفة وثنائية الحكمة والخطيئة والجسد والروح وعلاقة الأنا بالآخر بأسلوب جذاب يبدأ واقعيا وينقلب خيالا.

وفي الرواية التي جاءت في 174 صفحة من الحجم المتوسط وصدرت عن دار الاتحاد للنشر والتوزيع يستدعي الكاتب التونسي خياله ليبني حصنا حصينا يمنع تسرب الموت عبر شقوق الجهل أو يبني سدا ضد تدفق جهل بالحياة يغوي بالموت.

وفي حبكته الروائية وظف الكاتب المولود في محافظة مدنين بالجنوب التونسي عام 1963 الخرافة والخطابة والشعر بلغة مليئة بالرموز والإيحاءات.

يقول البطل في ختام الرواية “إن هذه الشجرة قد حيرتكم حينا من الدهر لم يكن قصيرا. لقد طلبتموها وما كان أحد منكم بصيرا وصارعتموها صراعا مريرا فصرعتكم وأكلت لحمكم والعظم وسؤتم مصيرا.. إنكم في هذه القرية تصيبون منها أمنكم ما استقام عنها صومكم فانتصبوا لها أعداء”.

ويستدرج الساري القارئ بهدوء وسلاسة لتتبع خيوط علاقات متناقضة ومتشابكة ومتنافرة عبر قصة تبدو واقعية لكنها لا تخلو من الإيحاءات ثم تتسارع الأحداث فتصب في أتون الخيال وعالم الجنون ولكن بحبكة سردية محكمة.

يقول الساري “تراوح الرواية بن الواقعي والخيالي. إنها رواية تبدو واقعية وتنتهي في الخيال بلا حدود للزمن وتثير جملة من القضايا الوجودية مثل ثنائية الموت والحياة واغتراب المثقف خاصة والإنسان عموما في واقع يغرق في بحر من الجهل والأنانية.”

وتحكي الرواية قصة البطل “عقيل” ويبدو من الاسم الذي اختاره الكاتب للتعريف به في بداية الرواية “اسمه عقيل هو رجل أحسن الإنصات فأحسن الكلام” متعقلا يحمل الحكمة أو أنه الحكمة بذاتها.

يقول “كان لعقيل جليس يدعى عاطف وقد بدا كأنه يحاول أن يخرجه من عزلته أو لعل فضولا كامن فيه يدفعه إلى معرفة ما في نفس الرجل.”

يحاول عاطف بعد موت جاره ومربيه الحاج صالح الهروب والابتعاد عن الموت والهروب منه فيلحق بعقيل إلى الحانة (رغم أنه ليس من مريديها) لكنه يستمر في الحديث عنه.

يقول البطل عقيل “يبدو أن ذلك الرجل ملاذك حيا وميتا. عجبت لأمرك يا عاطف يستهويك الحديث عن الأموات وأنت هارب من الموت”.

في الحانة يتعرف عاطف على سلافة فيعشقها لكن عقيل الذي كان على علاقة بها أيام الدراسة يحاول أن يمنعه لكن ولع عاطف بها يتضاعف وشغفه يزداد حتى مرض ودخل المستشفى واقترب من الهلاك.

ويخاطب عاطف الطبيب “أما أنا فدعني أمارس لعبة قهر الموت أيها الطالب الكسول. إني أراه في حيرة ممزقا بين أكلي وتركي. وأنا كما ترى. وهو كما تعلم نهم أكال عوال. فإن أكلني بلا لحم فلن يشفى من قرم وإن تركني فذاك إعلان عن هزيمته واعتراف بالعجز وهو يفضل الموت على هذا الاعتراف.”

ويكتشف القارئ أن سلافة بعد أن قطعت علاقتها مع عقيل تزوجت من ثري وسافرت للعيش معه في بلد أجنبي لكنها أصيبت بمرض نقص المناعة المكتسب انتقل إليها من زوجها.

وتقول “علمت أن لن يستقيم أمر المرأة قبل إبادة جميع الرجال”. ثم تضيف في حوارها مع عقيل “أشفي بعض الغليل وأخلص بعض النساء”.

يحاول عقيل أن يمنع زواج عاطف من سلافة بكل الطرق وسلك في ذلك كل السبل لكنه أخفق أمام رغبة سلافة التي تملكها شيطان الانتقام.

وتقول مخاطبة عقيل “أنا أقوى منك يا عقيل. أنت تخاطب في عاطف عقله أما أنا فأخاطب فيه الجسد. أنظر إليك كيف امتطيت المنطق فلم تجن غير تعب الركوب.”

وفي سياق الصراع بين عقيل مع سلافة لإنقاذ عاطف من موت يسير نحوه بقدميه تطرح عدة تساؤلات منها “من يسهل تضليله؟ العالم أم الجاهل؟”.

يمنى عقيل بالهزيمة في معركته فيأكل الموت الحياة ويقول “غدا يواقع الموت الحياة”. ثم يختفي عن الأنظار فلم يعد له أثر.

من هنا تبدأ الرحلة نحو عالم الخيال بحبكة محكمة حيث تنطلق رحمة صديقة سلافة وعقيل وعاطف في رحلة للبحث عنهم بعد أن أضنتها الوحدة وطال غيابهم واختفت آثارهم حتى إذا أتت غرب المدينة وجدت سلافة تحتضر “في بيت متفرد في قبحه” قبل أن يفترسها الموت.

ثم ولت وجهها شرق المدينة فوجدت عقيل قد ضرب خيمة في قرية مهجورة ليؤسس للعمران قائلا “إني أزرع بذرة في هذه الأرض المعطاء.”

تعود رحمة لتأخذ معها عاطف إلى القرية الجديدة التي أسسها عقيل وبدأت تتكاثر فيها الخيام وانبثقت الحياة من البذرة وتدور أحداث في القرية تنحو منحى غرائبي.

لكن عاطف ما زال يلهث وراء الموت فيقول “أريد أن أموت يا عقيل” فيرد عليه “لن تموت حتى تحب الحياة”.

ثم يموت عاطف فيغرس عقيل غرسا على قبره ويسقيه من ماء البحر حتى إذا استوت شجرة بعد ليل طويل خسف فيه القمر و”اشتد فيه النباح والعواء والنهيق والصهيل” خطب في أهل القرية ان يصوموا عن الشجرة قبل أن ينسحب.

الرواية مليئة بالرموز والإيحاءات وتتناول قضايا وجودية واجتماعية ونفسية بأسلوب أدبي مميز.

 

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى