بقعة ضوء على فناني الشرق الأوسط ومآسيه

مصعب النميري

اختُتمت مؤخراً فعاليات مهرجان «زاوية في العالم» (الموسم الثاني) في مدينة إسطنبول التركية، الذي أُقيم على مدار اثني عشر يوماً، بداية الشهر الحالي تشرين الأول/أكتوبر.
المهرجان كان قد افتُتح في الأول من الشهر الجاري، بمعرض فنون بصرية، صورا وأفلاما قصيرة، طغت عليه أعمال لمخرجين سوريين (عدنان جيتو، ميار الرومي، سؤدد كعدان، مي سعيفان)، تلته حفلة غنائية لفرقة بانديستا التركية. ثم قدم عدد من العروض المسرحية الراقصة والحفلات الموسيقية، على مدار الأيام التالية، جميعها لمخرجين وفنانين من شعوب الشرق الأوسط، اختُتمت بعرض سردي لنص مؤثر عن المنفى للمسرحي السوري محمد العطار.
خلال هذا العام، تم التركيز على أعمالٍ من الشرق الأوسط وتركيا، ذلك أن «العالم دائري الشكل، ومركزه قد يكون أي زاوية فيه، اعتماداً على النقطة الذي ينظر منها الشخص.. نريد أن نلقي نظرة من إسطنبول إلى العالم والجيران، ليتحدث كل منا للآخر عن مخاوفه»، بحسب منظمي المهرجان.
تخللت مهرجان «زاوية في العالم» عشرون عرضاً تم تقديمها في 13 مسرحاً، في شطري إسطنبول الآسيوي والأوروبي، لفنانين من تركيا وسوريا وإيران ولبنان والعراق وتونس وأرمينيا ورومانيا. الموسم الأول من المهرجان كان مشروعاً تطوعياً من المنظمين والفنانين الذين آمنوا بفكرته، كان بمثابة تجربة، يقول فاتح غنشكال (المدير الفني للمهرجان) لـ«القدس العربي». في الموسم الثاني كان ثمة 6 متطوعين يحضّرون لمدة عام كامل، ويعملون على التمويل والتنظيم والإنتاج والترويج، بالإضافة لمشاركة عدد من الداعمين، وهو ما مكن المهرجان من استضافة عروض أكثر بإنتاج أكبر من الموسم السابق، والحصول على اهتمام مهرجانات أخرى في الخارج وعاملين بالشأن الثقافي.
غنشكال أوضح أن منظمي المهرجان دعوا الفنانين بناء على إيمانهم بهم على الصعيد الفني، بالإضافة لاعتقادهم أن هؤلاء الفنانين يمتلكون وجهات نظر وآراء سياسية من المهم أن يتم عرضها. لافتاً إلى أن بعض الفنانين جاؤوا من بلادهم، بينما جاء آخرون من المنافي، وهو ما أغنى وجهات النظر المطروحة وأثرى مساحة النقاش، حيث يعتبر الهدف الرئيسي للمهرجان هو جمع الفنانين الذين يمكلون وسائل أو فرصاً محدودة، لمشاركة تجاربهم.
تركيز المهرجان على منطقة الشرق الأوسط وتركيا، سببه أن هذه البلدان قريبة جغرافياً، ولكنها لا تعرف إلا القليل عن بعضها بعضا، وعن التجارب والأعمال الفنية فيها، يضيف غنشكال؛ من المهم جداً أن نتحرر من القيود والتسميات والأنظمة المفروضة علينا في العالم، ومن بينها الفنون المسرحية، من أجل التوصل إلى جداول أعمالنا وحلولنا الخاصة. على مدار أسبوعين، لوحظ أن المهرجان في نسخته الثانية أسس جمهوره الخاص، بحسب ما قالت كلير زرهوني (المنسقة العامة للمهرجان)، لصحيفة «القدس العربي»، مضيفة أن المهرجان لاقى تفاعلاً لافتاً من قبل الناس، خصوصاً في أحد أيام المهرجان الذي أقيمت فيه عروض مفتوحة، حيث كان هناك «أكثر من مئة شخص، بمثابة جمهور متنقل بين العروض، التي أقيمت في الشارع بالإضافة لعدد من المسارح. أثار تجمع الجمهور في الشارع فضول المارّة، ثم بدا أنهم مسرورون بذلك.. كان هذا أحد أهدافنا: جمع الناس وحثهم على التواصل بحرية من خلال الفن». زرهوني أشارت إلى أنه في النسخة الماضية من المهرجان كان ثمة فنانون من جميع أنحاء العالم، ولكن في هذا العام تم التركيز على شعوب الشرق الأوسط «سعياً لأن يكون الفن انعكاساً أو صدى لما يحدث في هذه البلدان. رأينا أن الحروب والمآسي يجب أن تُلقي بظلالها على العروض التي يقدمها المهرجان، لإيجاد أجوبة عن طريق الفن، وخلق مساحة من الحرية لتمكين الفنانين من التعبير عن أنفسهم وقول ما لديهم».
نبيل محمد، كاتب وصحافي سوري مقيم في اسطنبول- أحد متابعي المهرجان قال لـ«القدس العربي»: «حضرتُ ثلاثة عروض، اثنين منها سوريين، بالإضافة لحفلة موسيقية أرمنية. وفي العموم، المهرجان كانعكاس أو زاوية لفنانين يسعون لإيصال أصواتهم كان شيئاً جيداً. هناك حالات ثقافية وفنية تعيش في سياق من التشرد والاغتراب، ومساعدة هؤلاء الفنانين بإعطائهم زاوية أو خشبة مسرح أو بقعة ضوء، ليقولوا للعالم، من خلال إسطنبول (التي تعتبر مركزاً فنياً وثقافياً مهماً)، إنهم موجودون، هو أمر يستحق الشكر والتقدير». محمد أضاف أن الدُّور والمؤسسات الثقافية في بلدان هؤلاء الفنانين هي إما مدمرة أو غير قادرة على مساعدتهم، وهناك جهد فعلي بذله القائمون على المهرجان في تقديم زاوية من العالم، «لا يرى أحدٌ منها شيئاً سوى ما تقدمه وزارات الخارجية والتحالفات والعناوين العريضة للإعلام العالمي… العالم لا يرى منطقتنا إلا كونها مسرحاً للحروب، والعروض الفنية التي قدمها المهرجان أخذتنا إلى مكان أكثر هدوءاً».
بالنسبة للعروض، يتابع محمد: «لا أستطيع تقييمها من ناحية فنية، لأن الفنانين والمسرحيين الآتين من بلداننا، هم أشخاص منهمكون في إيجاد مكان بديل لأوطانهم، معظمهم مدمّرون على الصعيد الشخصي والعام، ولا يستطيع المرء أن يطالبهم بمعايير فنية عالية. أستطيع القول إن العروض كانت جيدة في الغالب، أي عابر استطاع إيصال صوته فشكراً له، حتى لو كان صوته ضعيفاً».

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى