رأيت ربي بعين قلبي..للكاتب ولد عبد الله عبد اللطيف

خاص (الجسرة)

ارتفعت يده نحو السماء وارتعشت أنامله مع هبوب ريح دافئة. نظر نحو السماء ولكنه لم ير سوى سحب دموعه. وتراءى له أديمها كأنه البحر تتلاطم أمواجه. لم يبق في الأرض ما يوسع خاطره أو يشرح له صدره ولم يهدأ له بال ولا طاب له مآل منذ أن ذاق نشوة المحبة. أراد أن يسكر بتلك المحبة. أراد أن يستقي من منبعها ولكن وروده لم يزده إلا عطشا.
كان ثوبه ممزقا عند ثناياه وقد رقع من كل جانب. وضمور وجهه الأبيض لم يكذب حال ملبسه الرث. انقطع عن الدنيا وشهواتها. وانقطع عن الأمل ومساعيه. وذاد عن الخلق إلى الخالق.
هبت ريح هادئة كهدوء روحه في تلك الاثناء. وأحس بروحه تتماوج مع الاثير ومع حركة أوراق الأشجار. كخفقة جناح فراشة. بدأت أنفاسه تتسارع وهو ملقى فوق التراب على حافة جبل سامق. يطل على تلال وهضاب مطوية. تنحدر مقدمتها نحوه وكأنها ساجدة أمامه.
من التراب إلى التراب كل البشر في طريق واحد مهما اختلفت عقائدهم ومذاهبهم.وكل اعتقاد ومذهب هدفه واحد. ففي الأخير سنترك كل شيء ونسلك نفس ذلك الطريق. فالخلود للقهار والبقاء للواحد الأحد. ولكن مهلا … مهلا؟؟
أليس الله ساكن في داخلي؟ أيموت الله بموتي؟كلا سيبقى حيا للأبد.. إذا أنا خالد.. ماذا؟ نعم … أنا خالد.. لأنه يسكن بداخلي.
تلاشت كل معاناته الجسدية وأشرق نور وجهه على الأرض. انتصب واقفا كجبار عظيم استوى على عرشه. تحسست يده البدن الفاني …
ولكن من أنا؟ هل هو إلا أنا أم أنا إلا هو. كيف لي أن أطيق الحياة وما في القلب سواه. ربي عذبني ولا ترحمني إن أنا أحببتك إلا لأدخل الجنة. ربي خذ كل شيء إلا وجهك الكريم.
الشوق يمزقني ولا يهدأ بالي ولا يسكن روعي إلا بك أنت وحدك. روحك روحي وروحي روحك. إن تشأ أشاء وإن أشاء تشاء.
امتلأ وجهه بضياء منير وحام الطير من فوقه يرتل ويسبح. رفع يديه نحو السماء وازداد بكاه شدة وحرقة حتى اهتز جذعه شوقاوألما .فاندك الجبل من تحته وأصبح كالقطن المحلوج .داعبت ريح مرسلة رجليه الحافيتين وساح الدمع على خديه وبلل أخدعيه ثم طار في الهواء مختفيا بين السحاب.
دوى صوته، ساقته ريح دافئة من بعيد …رأيت ربي بعين قلبي….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى