أشياء “ضَيّ” الصغيرة * /لانا المجالي

خاص ( الجسرة )

” ليتني اعتذرتُ عن استقبالها، إذ لم أكُن على ما يرام”…. جملة حيويّة أستطيع أن ألخِّص بها أحداث يومي، لكن (ه) الذي أمرني بسرد هذه التّفاصيل، نبّهني إلى ضرورة كتابة الأشياء الصّغيرة… حتى أنَّ عبارة “الأشياء الصّغيرة ” نفسها، مُبهَمة ومطّاطيّة، بحيث يمكن القول إن
(ه) وأشباهَه لا يدركون قيمة الجملة المُكثّفة البَليغة، ولا أهميّة تفادي الحَشْو وفائض الكلام.

بالطبع، لا أقصد إهانة (ه)، لكن إبداء موافقتي الأوليّة على تنفيذ طلبه، لا يرغمني على التقيّد حرفيّا بتعليماته. يستطيع أن يقرأ هذا، فيهزّ رأسه بالموافقة أو الرّفض، لكنني لن أتنازل عن حقّي بتجاهل بعض الأحداث الهامشيّة التي عشتها خلال يومي هذا، مثل أنني استيقظتُ من نومي على صوت مواء “نوّارة” الجائعة، وصَخَب سيّارة توزيع الغاز، كما حُرمت من تجفيف شَعري بعد الاستحمام بسبب انقطاع التّيار الكهربائي المفاجئ، ووصلتُ متأخّرة إلى مَقَر عملي في جريدة “الأخبار” ما أوقعني تحت ضغطٍ شديد؛ لأنّ اليوم آخر موعد للانتهاء من تحرير مواد الملحق الثّقافي الأسبوعي، وحادثة مؤسفة أخرى إذ تعطّلت سيارتي بعد خروجي من ” الدّوار السّابع” باتجاه طريق المطار، وهاتفتُ أحمد لمتابعة أمر إصلاحها وإرجاعها إلى “مرج الحمام” حيث نقيم في البناية ذاتها؛ هو مع والديه – عمّي طايل وزوجته إيلينا البريطانيّة – في الطّابق الأول، وأنا و”نوّارة” في الطّابق الرّابع.

مثل هذه التّفاصيل لا يجدر بـي تدوينها، يمكن المرور عليها سريعًا في الذاكرة، والتّوقف عند مشهدٍ جرَت أحداثه في صالون شقّتي، تحديدا عند تلك اللحظة، حيث تحوّل الكلام الذي افتتحته فاتن منذ نصف ساعة إلى استجواب للذّات.. كان إيقاعُ سؤالها الاستنكاريّ جنائزيّا :” أين كنتُ أخبّئ كل هذه الهشاشة؟”.
تحسّستُ خدّيَ متضامنة مع مشاعرها تجاه صفعة الاكتشاف، ثمّ انشغلتُ بتوقّع أماكن وجود زوايا داخليّة قابلة لاحتواء خزائننا السّريّة. أرجِّح أن تكون هذه الخزائن صغيرة جدا وتفصلُ بينها مسافات كافية؛ إذ لا يمكن أن تجتمع الهَشاشة والقوّة في حيّزٍ واحد، كذلك الوَداعة والشّراسة، أو الشّجاعة والجُبن، وبقيّة الصّفات السّاكنة فينا.

عندما استطردَت فاتن: “مع أنّ الحكاية كلّها لا تستحقّ؛ مجرد إعجاب عابر بزميل. حتّى أنني لا أستطيع وصفه بالوسيم!”، لاحظتُ أنّها تواصل تمرير إبهام يدها اليمنى بخطوط عرضيّة متوازية فوق قماش المسند الجانبيّ للصّوفا، وبدَت لي فكرة وجود خزانة الهَشَاشة في القلب ساذجة وسطحيّة. الأصابع مكانها الأمثل. الهَشَاشة تنقُطُ من أصابعنا عندما تنكشف استجابةً لخطبٍ ما؛ الحبّ من طرف واحد على سبيل الحصر عند فاتن هذه المرّة، ما يعني أن مهنتها؛طبيبة أسنان بارعة صار تحت الخطر، تحديدا في الحالات التي تضطر فيها للاستعانة بخبرات زميلها– غير الوسيم- في علاج اللثة اعتمادًا على تخصصه. اعتراني خوف على مستقبل فاتن. خزانة الخوف لا يسعها القلب. هناك مكان شاغر لها في الرّكبتين، ولا شيء يمنع وجودها في الأسنان. أستطيع إثبات مثل هذه النظريّة بسهولة.

شعرتُ أنَّ حالة من تشتّت الذّهن بدأت تسيطر عليّ، لكن توقّف حركة إبهام فاتن المنتظمة نبّهني إلى أنّ صمتها طال أكثر مما ينبغي، وأنّ الوقت قد حان لاتخاذ قرار باستبدال الأخضر والبنيّ في شقتي لكسر الرّتابة؛ الأحمر أكثر بهجَة ومليء بالطّاقة. هناك الأصفر أيضًا. وتحت ضغط الشّعور بالحرج أمام لباقة انتظارها الصّامت، وجدتُني أقول دون تخطيط: ” عيادات الأطباء النفسيّين تعوزها كراسي الاعتراف التي نشاهدها في الأفلام.. على الأقل، تلك التي راجعتها”…
لا أعرف كيف فسَّرَت عبارتي، لكنّني سمعتُ رنّة ضحكتها الصّافية المميّزة، ثمّ غمرتني الرّاحة ووجهها يستعيدُ ملامحه الرّائقة، وذهني تركيزه.

يبدو أنني استغرقت في وصف المشهد، وراح عن بالي حقيقة أنَّ ( ه) لا يعرف مَنْ تكون فاتن، ولن أكون مخطئة لو تخيّلته الآن، يحكّ حاجبه بسبابته، أو يهرش رأسه، أو يمسّد أرنبة أنفه، أو يمسح نظّارته الطّبيّة بمنديلٍ قطنيّ أخرجه من حافظة جلديّة. من حقّه أن يعترض أو يبدي استياءه لو رغب بذلك؛ فكتابة يوميّات مَشَاع تلزمها معالجة خاصة، سأحاول منذ الآن استخدامها …

فاتن أكرم؛ طبيبة أسنان سوريّة تزوجت عام 2009 من رجل الأعمال الأردنيّ فارس القادري واستقرّت معه في عمّان، ولم تغادرها رغم الطّلاق الذي تمّ بين الطّرفين بالتّراضي قبل ثلاثة أعوام. تعيش حاليا في منطقة عبدون مع ابنتها الوحيدة “شام”، وعائلتها التي التحقت بها هربًا من جحيم الحرب مثل مئات الآلاف من السّوريين.

التقينا عام 2013 عندما دخلتُ عيادتها الواقعة في (الصويفيّة) بصفتي مريضة تعاني فوبيا الكرسي المزوّد بكل أدوات العنف والأزيز والألم، لكن فاتن التي تحمّلت نزقي وتبرمي وعدم التزامي المتكرّر بالمواعيد، مكّنتني من الحصول على فَم كامل العَتاد بابتسامةٍ هوليووديّة، الأمر الذي مهّد لنشوء علاقة صداقة قويّة بيننا.

أتأمّل فاتن .. ثمّة خطوط رفيعة تشكّلت على استحياء أسفل عينيها العسليتين الواسعتين، لكن غير ذلك، لا شيء تغيّر فيها منذ عرفتها؛ بشرتها الورديّة الرّقيقة. شعرها البنيّ متوسط الطّول. قوامها المعتدل. حيويتها … رغم سنوات عمرها التي تجاوزت الثّلاثين بعامين. يا إلهي! .. ثلاثة شهور فقط تفصلني عن عيد ميلادي الواحد والثّلاثين. تبّا للعمر ما أسرعه!

فتحت فاتن حقيبتها وناولتني علبة ملفوفة بورقِ هدايا أنيق، وعلى طريقة الإعلانات التّجاريّة قالت: ” زجاجة La Nuit Trésor ؛ عطركِ المفضّل سيّدة لانكوم الجميلة”. صحتُ بابتهاج: “ياه. كيف صمتِّ عنها كل هذا الوقت! هذا هو الكلام المهمّ، لا قصّة نبيل باشا خاصّتك”، ونزعتُ الورق عنها بطريقةٍ احتفاليّة. هكذا أدرنا دفّة الحديث بشكلٍ تلقائيّ نحو سفرها مؤخرا إلى لندن لحضور مؤتمرٍ طبيّ، وكيف مدّدت إقامتها فترة إضافيّة للاستفادة من عجائب البُعد السبع في استحضار نعمة النّسيان، دون نتيجةٍ مُرضية، ثمّ أطلقت زفرةً طويلة قبل أن تستأذنني في المغادرة متعلّلة بالإرهاق : “وصلتُ مساء أمس فقط، لكن الشّوق الغلّاب دفعني إلى استغلال عطلة السبت لإجراء زيارة خاطفة. عليّ أن أكون في عيادتي صباح غد. هناك الكثير من المواعيد المؤجّلة”. تذكّرَتْ فجأة: “حتّى أنني لم أتمكّن من توديعك قبل سفري؛ لم أشأ اقتحام عزلتك الاختياريّة، وغيابك عن أيّة نشاطات اجتماعيّة خلال تلك الفترة”. غَمَزتني وقالت بنبرةٍ موحية: ” عندنا جلسة طويلة يا بكّاشة. حان وقت الاعتراف، أليس كذلك؟”. ابتسمتُ وهززتُ رأسي مُجامِلة؛ فالاعترافات الشّهيّة بطعم الشيكولاتة، غير موجودة في ثلاجة حياتي.

لحظة لامستُ أصابعها مودّعة عند الباب اندلقت هَشاشة طازجة إلى كفّي. وددتُ لو أعتذر عن صمتي السّخيف أمام بوحها المتدفّق.. عن لامبالاتي الظّاهريّة وربما الباطنيّة، لولا أن رأيتُ التّصميم في نظرتها، وهي تقول:
” لا تنسي حملة مقاطعة فيس بوك. أوقفي حسابك الشّخصي الليلة مؤقتا، مدة 24 ساعة، واكتبي في خانة سبب تعطيل الحساب: Aleppo is burning
لا ينبغي الصّمت على تجاهل المجتمع الدّولي للمجازر في حلب. .. في سوريا كلّها يا ضَيّ”.
شعرتُ بالغثيان بعد أن تلاحقت الصّور المروّعة التي حاولتُ نسيانها على مدار يومين في ذاكرتي؛ الجُثث المحروقة. الأشلاء المقطّعة. الأطفال. النّساء. كبار السّن، وكدتُ أسقط أرضًا نتيجة دوار شديد باغتني فجأة، لولا أن تماسكت وأنا أعدها أن أفعل، رغم عدم قناعتي بجدوى مثل هذه الحملات؛ ماذا تتوقع فاتن من عالمٍ مُصاب بعمى جوزيه سارماغو؟… العالم الأعْمَىى، والأخرَس، ونصف المشلول.

أحكمتُ إغلاق باب الشقّة فور خروجها، ثمّ عدتُ بخطواتٍ متثاقلة إلى الدّاخل، لإنجاز واجب التّدوين مثل تلميذةٍ خائبة، أو –على الأرجح- مثل امرأة وحيدة .. إلا من قِطة أنغورا بيضاء اللون، لا تكّف عن كونها نائمة أو جائعة.

4/ مايو

” سبع طبقات من الثّياب، واحذري أن تنكشف عورتك على سكّان المكان”؛ تقول وهي تسحَبُ نفسًا من غليونٍ بساقٍ طويلة.
أسأل: “سبع طبقات؟”، فَتَصْمِت.
أُلحُّ: “سبع طبقات؟”
تنظرُ إلى السَّماء – وبما يشبه الهَمْس- تكشِف:
” قبل انبلاج الفجر بفترةٍ كافية لزرع زيتونة…. ودّعيها، وارحلي عن المدينة المِقبرَة”.
أقول: “إلى أين؟”، فَتَصْمِت.
أصرَخُ بأعلى صوتي: “إلى أين؟”
لكن سحابة من دخان كثيف تحجبُ شفتيها أولا ، ثمّ وشم ذقنها، وأنفها، وعينيها الخضراوين، وتجاعيدها الغائرة، وجديلتيها، ورقبتها الطّويلة، والسّنابل المطرّزة على مخمل (مدرقتها )، .. تلّفها كلّها. كلّها. كلّها ؛ جدّتي، ثمّ تحملُها وتطير.
أتحسّس مجلسها الفارغ ، وأقول: “إلى المدينة النّحيب”.

***
إنه الحلم الذي يطرقُ باب نومي بمعدل مرّتين شهريّا منذ وفاة جدّتي،
لكن .. وبحكم أنّ المَنام إيّاه كان رفيق ليلتي السّابقة، فقد استيقظت مرهقة، وأمضيتُ أكثر من نصف ساعة صباحيّة في تأمّل مشهديته السّينمائيّة عالية الجودة رغم الأجواء الكابوسيّة التي سيطرت عليه. انتقلتُ إلى غرفة المكتب حيث أعمل وأكتب عادة. بحثت عن السّمفونية السادسة لبيتهوفن في اليوتيوب، رفعتُ درجة صوت “اللابتوب” وأنا استرجع ذكريات أوّل قصّة حبّ عشتها، قد أرويها لفاتن في جلسة الاعتراف المنتظرة… لا، لم تكن قصة حب، على الأقل من وجهة نظري، بل هي مجرد علاقة عاطفيّة عابرة.

العلاقة العاطفيّة التي جمعتني بـ” ضيف الله أيوب ” في عامنا الجامعيّ الثّاني، افتتحتها فيروز بأغنية “يسعد صباحك يا حلو” – بعد نظرةٍ.. فابتسامةٍ.. فرجفة قلب خفيفة- على مسرح كافتيريا كليّة الآداب في الجامعة الأردنيّة، وتحت قيادة “فرج” أمهر صانع قهوة مغليّة زيادة، وأنهتها بـأغنية “حبّوا بعضُن.. تركوا بعضن”.. فقط.

أقول عابرة.. لأنّها لم تترك رماد سجائرها في مِنفضة القلب، فقد بدأت وانتهت خلال فصل دراسيّ واحد لا يتجاوز طوله أربعة شهور، حتّى أنّها صارت مادة للتّندُّر بين زميلاتي في السّكن الجامعيّ أثناء وبعد انتهاء العلاقة؛ مواعيدنا الثّابتة في السّابعة صباحا كانت تدفع هناء إلى التّخمين بأنّها .. ” اختبار لجمالك دون مكياج”، أو “استعنّا على الحبّ . يا ميّسر يا الله” بحسب سارة التي تتصنّع الجديّة وهي تسأل: “بالله عليك .. ما هو اسم الدّلع لـضيف الله؟ ضيفو مثلا؟”، أمّا سامية فكانت تشير إلى رمزيّة حرف الضّاد في أوّل اسمينا؛”ضَيّ” و”ضيف الله” وعلاقته باللغة العربيّة مجال دراستنا، لكن السّخرية العامة من هندامه كانت أكثر الملاحظات تداولا.

لم أكن آبة لمسألة ثيابه غير متناسقة الألوان بشكلٍ فاضح، أو ارتدائه –في كثير من الأوقات – جوربين بلونين مختلفين، أو بلوزة قصيرة تظهر سرّته عندما يضطر إلى رفع يده، أو تجعّد قمصانه غير المكويّة؛ بسبب تفهمي ظروف نشأته بين والدين مطلقين ما اضطره إلى التّنقّل الدّائم بينهما معظم طفولته، ثمّ اتخاذه قرار السّكن المستقل قبل أن يصل إلى سنّ السابعة عشرة، .. لكن تأمّل حاله كان يفضي إلى العَجَب؛ فهو يهتم بنظافة جسده وثيابه حدّ الوسوسة، ويختار ثيابه باهظة الثّمن من أرقى الماركات الأجنبيّة؛ كونه ابن عائلة ثريّة لا تبخل عليه بالمال، كما أنّ “هلهلة” ثيابه لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالهيبيين وأفكارهم، والأغرب أحلامه شبه اليوميّة التي كان يسردها بشكلٍ مفصّل- يشبه ما يطلبه (ه) مني وهو يصرّ على عبارة “الأشياء الصّغيرة”-..

الأحلام التي سرقت نصف ساعات مواعيدنا، كانت عاديّة بمجملها، لولا أنّ أبطالها خرجوا من أرقى مجلات الأزياء العالميّة. كان من عادته أن يسترسل بوصف ثياب فتاة قابلها في حلم دون أن يذكر شيئا عن ملامحها أو تفاصيل جسدها: ” .. كنتُ في حفلة راقصة. لم أتبيّن وجوه الحاضرين، باستثناء فتاة ارتدت الفستان الفيروزي الذي ظهر في مجموعة (لي جالا) الأخيرة، مع حذاء أغمق درجتين من لون الفستان بتوقيع المصمم( باول أندريو)، لكن لم يعجبني ذوقها باختيار قرط طويل في نهايته لؤلؤة من ( مجوهرات بياجيه)، كان عليها أن تجرّب تصاميم باولا مندوزا؛ فيها قطع تناسب إطلالتها أكثر…”.

لم أقصد باختيار هذا الحلم أن أظهر حبيبي السّابق مهووسًا بالنّساء الأنيقات، فرجال أحلامه الليليّة، كانوا كذلك أيضًا، وتأنّقوا أثناء خوض الحروب، وحضور مباريات كرة القدم، وحتى أثناء افتعال المشاجرات : “.. فتحتُ الباب متثاقلا، فوجدت نفسي أمام شاب يرتدي نظّارة شمسيّة من (ماركولين )، وقبل أن أقول أيّة كلمة، لكمني بقوّةٍ أوقعتني أرضًا، ثمّ بدأ يدوس على وجهي بحذاءٍ أسود من ماركة جونستون أند مارفي”.

انتهت علاقتنا بشكلٍ ودّي؛ دون دموع أو تبادل اتّهامات أو ما يحدث عادة عند فراق عشيقين؛ لأنّ الفتور الذي تسرّب إليها قبل أن تبدأ لم يسمح لها بالتطّور إلى تلك المرحلة، المدهش أننا بعدها بشهور قليلة استطعنا تجاوز تلك الذكرى ، وتحوّلنا إلى صديقين حميمين تجمعهما أشياء مشتركة أخرى غير “حرف الضّاد” والقبلة المختلسة الوحيدة ، قبل أن تنقطع علاقتنا فور التّخرج في الجامعة.

وقبل أن يقتل الفضول ( ه )، سأكمل الجزء الأخير من حكاية رفيقي ذي الأطوار الغريبة، ثمّ أمضي لمشاغلي اليوميّة.

حدث هذا قبل عامين؛ كنتُ أتجوّل في “تاج مول” عندما قابلت النّسخة المحدّثة الأنيقة من ضيف الله أيوب. احتسينا القهوة في “ستاربكس” بعد دعوةٍ لطيفةٍ منه قبلتها بامتنان.

تبادلنا الذّكريات وأخبار العمل والحياة وأشياء أخرى. حدّثني عن زواجه المستقرّ بابنة عمّه، ووفاة والده، وتحمله مسؤوليّة إدارة شركته التجاريّة.. رغم تخصصه البعيد عن أجواء التّجارة والإدارة، … وقبل أن نتصافح، استجمعتُ شجاعتي وسألت: ماذا عن أحلامك؟، فردّ مع ابتسامةٍ واسعة: لم أعد أحلم يا ضيّ، أو – على الأقل- لم أعد أتذكّر أحلامي.
مع ذلك، ثمة الكثير من التفاصيل الصغيرة التي قد أرويها عن علاقتي بضيف الله.

***
قد أروي هذه التفاصيل الصغيرة لفاتن. ولن تكتفي بها، أنا متأكدة من ذلك. ستطلب مني المزيد لاعتقادها أن لدي أسرارًا لا أبوح بها بالسهولة المتوقعة. هل أختلق أسرارًا من وحي مخيلتي ومن عوالم قراءاتي المتعددة؟! هل أفعل ذلك إرضاء لفاتن وللسيد (ه) الذي يلح دومًا على سرد التفاصيل الصغيرة؟! هل أعود إلى علاقتي بضيف الله لاستنطاقها؟ هل أقول إن ضيف الله في لقائي الأخير معه كان ينظر لي نظرة غامضة لم أتوقف عندها إلا لحظة حين كنا جالسين في المقهى.
لكنني الآن، أتوقف عندها وأتساءل عن فحواها كلما وجدت فرصة للاختلاء بنفسي.
_______
*جزء من نص سردي طويل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى