عبد القادر الجنابي: كتابة على هواء طليق

صفوان حيدر

يأتي كتاب «المختار من إيلاف» (كتابة على هواء طليق) الذي قام بتحريره الشاعر عبد القادر الجنابي (]) ليشكل أنطولوجيا لكتابات رقمية، بعدما أدرك كتّابها عملياً أن ثمة قطيعة بين ما كانوا يكتبونه في وسائل الإعلام المقروء وما يكتبونه في فضاء»إيلاف»، حيث لا رقابة ولا إملاء بل هناك قراء لا عد لهم متأهبون لحظة النشر للدحض والتفكيك بقراءة تفاعلية. لقد شهدت «إيلاف» مجتمعات مدنية لها رأي عام قادر على صناعة قرار واقعي وعقلاني يطرح مسائل جوهرية طرحاً جديداً شارك فيه اكثر من سبعين قلماً أمثال نصر حامد أبو زيد، جورج طرابيشي، العفيف الأخضر، عثمان العمير، شاكر النابلسي، سيار الجميل، مجدي عبد الحافظ، بول شاوول، عباس بيضون، عبد الرحمن طهمازي، مؤيد الراوي، عقل العويط، إبراهيم نصر الله، هنري زغيب، عصام عبدالله، أحمد أبو مطر، وآخرين. نعم لقد كان للثقافة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين مراكز ومنطلقات، ولكن أين هي اليوم؟ وكيف ينظر المسلمون الى دارون؟ وماذا يعرف القراء العرب عن الماركيز دُساد؟ هكذا يبدو هذا الكتاب حافلاً بالمعلومات والتفسيرات والتأويلات ووجهات النظر المتجددة والطازجة.
يستهل ناشر موقع «إيلاف» عثمان العمير هذا الكتاب بعنوان «يقولون من أنت؟» ويجيب العمير إنه مشروع إعلامي متكامل تنظم فيه الصحيفة الإلكترونية الإيلافية بما لها من مداليل وأصول وجذوع الى منظومة شقيقاتها الإلكترونيات الأخرى فتدمج ذلك الألق الصحافي في الجريدة الورقية بتلك الأنهار الإعلامية الألكترونية.
يشبّه محمد عباس في مقالة بعنوان «ينبغيّات العقل العربي» تراجيديا التخلف العربي بحالة القدم المتورمة التي لا علاج لإنتفاخاتها المتخثرة ما يشير الى كمية كبيرة من الإختلالات الثقافية المتأصلة والمتناغمة بنيوياً مع طقوسية جلد الذات كما يمارسها طابور طويل من نقاد العقل العربي الذين ادمنوا بحس سادي / مازوخي تقليب وجوه الأزمات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والنفسية بحثاً عن الأسباب التي أدخلت ذلك العقل العربي في (كوما) السبات أو لحساب الإيديولوجيا المتدينة (ص 187) ويوافقنا طرابيشي الرأي الذي نعتبر فيه أن فن السياسة الرأسمالية المتوحشة المعولمة لم يعد فن تحقيق الممكن بل أصبح فن السياسة فن تحقيق أقل قدر من الممكن لأغلبية الناس وتحقيق أكبر قدر من الممكن للقليل من الناس…
وفي حوار مع نصر حامد أبي زيد يطالب هذا المفكر الإسلامي بتأسيس لاهوت إسلامي جديد يستلهم روح الإعتزال على غرار ما فعله مارتن لوثر باللاهوت المسيحي . ونجد في تلك القراءة لكتاب برنارد لويس «أين الخطأ» أن الحرية والعلمانية وتحرير المرأة هي العلة الثالوثية. وبمجرد أن بدأ عصر الحرية في التساؤل والإستقلالية في التفكير تم أضطهاد العقل العربي وتوقف التقدم العلمي عند العرب. ولم يتولى العالم الإسلامي الإجابة على هذه العناصر الثالوثية (ص79). ويستكمل عاطف أحمد هذه الإشكالية بمقالة حول الحجاب وعلاقته بإيديولوجيا التخلف، ويرى أحمد النظرة الى النساء في المجتمعات العربية نظرة دونية وذلك لأن مسألة الحجاب تندرج في منظومة إيديولوجية متكاملة تتعلق بالنظرة الى طبيعة المرأة كتابع للرجل. وكأداة لتحقيق رغباته (ص89) .
هذا الكتاب فريد من نوعه لكونه كتاباً ورقياً منشوراً عن الكتاب الإلكتروني. لقد دخلنا عصر الكتابة الإفتراضية الرقمية، بحيث أصبح المكون الثقافي يجمع بين الإعلام والمعلوماتية في معية واحدة. وثمة فضيلة كبيرة في إنتشار الإنترنت يجدها عبد القادر الجنابي في شعور المتلقي المشاهد بفرديته ومسؤوليته الخاصة في فضاء الحرية الإنترنتية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى