قلبها قارورة سوداء.. للقاصة وطن مقدادي

خاص ( الجسرة )

كلنا سمعنا عن قصة انتحار روميو و جوليت ..كانت قصتهما اتفاقا على الموت.. وموعداً للقاء ما بعد الفناء. هذه القصة مختلفة، روميو الآن بالأزل وحيدا دون جوليت..يجلس تحت المطر.. معلقا عينيه على نافذتها..هي تجلس هناك تراقبه، وتعلم انه لن يذهب، لا ترى منه شيئاً وسط عتمة الطريق إلا جمرة سيجارته التي لم تكن تفارقه أبدا. ظل جالسا هناك ينتظر أملاً بأن تحن عليه و تنتظره لو مرة واحدة، تنتظره حتى يتحرك حتى يبدي أي علامة على الحياة، لكن دقات قلب صغيرته كانت منتظمة كالساعة، محسوبة بالثانية، وكأنها لو أضافت دقة واحدة ستنقص حياتها ثانية، أما هو فكانت دقات قلبه تتسارع كقطار على منحدر ، كان ينتظرها حتى تشعر به، حتى تشعر ببرودة أطرافه، حتى تحترق بحريقه لا بحريق سيجارته. كان ينتظر منها أن تنتظر انتظاره لا مغادرته. ظل في مكانه كالصنم، إلى أن ضجرت هي، فأغلقت نافذتها و غابت، أحس أنه قط ضال على سور حديقة جافة و باردة، غراب على جدار مقبرة أحلامه. هذه الجميلة خلف النافذة المطفأة كانت بالأمس حبيبته، كانت باقة ورد على ضريح آلامه، أما الآن باتت اكبر انكساراته،و أعمق آلامه. شق الصباح طريقه إلى الطريق ،ويأس الليل من الانتظار، حتى أقنعه ضجيج المدينة بالمغادرة، غادر نافذتها وهو شبح يمشي وسط الكوابيس، هو الذي حذرها مراراً أن به ما يكفيه من الطعنات ليكون ميتاً منذ زمن، وأنها هي من كانت تضمد له جراحه، وأن بغيابها سيغيب هو، لم تكترث به، ابتلع الغصة و مضى تائهاً في زقاق المدينة ، لا يستطيع الذهاب إلى منزله ولا العودة إليها، إلى نور نافذتها، إلى ملاذه المنير الوحيد في الدنيا. كان ينتظر اتصالها لتطمئن على وصوله مبرراً غيابها خلف تلك النافذة بكونها دعوة له للمغادرة. انتظر و انتظر… ساعات وساعات يوم ويومان حتى فقد الأمل. جلس في غرفته المظلمة أمسك قارورة سوداء كانت عنده منذ زمن، كان قد قرر أن يرميها ولكنه نسي أن يفعل ذلك، إطلالتها أنسته موعد فنائه، أقنعته أن جسمه به متسع ربما لمزيد من الطعنات، وأن على هذه الأرض ما يستحق منه البقاء.أمسك القارورة بيديه المتعرقتين الراجفتين، شريط حياته مر مسرعاً أمامه،دون أن يلتقط منه صورة واحدة تشجعه على إيقافه، بل أمسك القارورة بسرعة أكبر من سرعة مرور الشريط واجترعها دفعة واحدة، ورمى بثقله على السرير، وغاااااااب. مات هو، نسيت هي، ولم يترك خلفه سوى بعض اللوحات التي رسمت سيرته الذاتية بخطوط سوداء كليلته الأخيرة تحت نافذتها، تحت وطأة قدره

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى