«معرض بيروت للكتاب الفرنكوفوني» يُفتتح اليوم..

اسكندر حبش

مهما اختلفت آراؤنا حوله، إلا أنه لا يمكننا اعتبار «معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت» سوى واحد من الأحداث الكبيرة الحاضرة بقوة في المشهد الثقافي عندنا. وبرغم كلّ الملاحظات التي قد تصيبه، إلا أنه بقي واحة حقيقية لفئة من قرّاء تجد في اللغة الفرنسية ملاذا ما. ربما لأن «فرنكوفونية» بعض اللبنانيين، لم تعانِ فعلا ما عانته فئة من فرنكوفونيي المنطقة من قتل وإبادة ومحاولة لإخفاء هويتها الوطنية الحقيقية، كالجزائر مثلا. من هنا، بقيت علاقة بعض اللبنانيين مع اللغة الفرنسية، علاقة «مسالمة» بعض الشيء، ليجدوا فيها «أحلامهم» المشتهاة، وليبقى النطق بها وكأنه دلالة على «تميّز» اجتماعي إذا جاز القول.
في أي حال، وبعيدا عن أي «قراءة سياسية» ـ تاريخية كانت أم راهنة ـ يأتي «معرض الكتاب الفرنكوفوني» هذا العام بنسخة جديدة، هي النسخة الـ 23، (وتحت عنوان «نقرأ معا»، إذ يجد المنظمون أن هذا العنوان من أجل التشارك والتبادل)، مع العلم أنها كانت تجب أن تكون في الواقع النسخة الخامسة والعشرين، إذ تأجل المعرض لمرتين عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، نظرا لما شهدته البلاد يومها من أحداث مختلفة. بيد أن المفارقة هنا، التي لا بدّ أن تطرح نفسها، أن ما من كلمة دارت حول تأجيل المعرض في هذه السنوات الأخيرة بسبب الأحداث التي عرفناها من جراء الأزمة السورية وما ارتبط بها من «عمليات انتحارية» وتفجيرات قام بها «التكفيريون» في بعض المناطق اللبنانية.

ربع قرن
23 سنة ليست بالرقم القليل. ربع قرن، مضى بسرعة شهد فيها المعرض تحولات جذرية، وهو الذي انطلق ذات يوم في بداية تسعينيات القرن المنصرم، في «المركز الثقافي الفرنسي» (قبل أن يتحول اسمه إلى «المعهد الفرنسي») حين اجتمع بعض أصحاب المكتبات ـ اللبنانيين ـ التي تبيع الكتب الفرنسية في قاعة من «قاعات المركز»، وكان الدمار الناجم عن حروبنا (قبل اتفاق الطائف) «يزيّن» كل الجدران الممكنة وغير الممكنة. بدا الأمر مغامرة حقيقية. بيد أنها مغامرة استمرت، وبخاصة مع رغبة «فرنسا» القوية في العودة إلى الساحة اللبنانية وإن عن طريق الثقافة.
سرعان ما انتقل المكان، من «المركز الثقافي الفرنسي» إلى «الفوتورو سكوب» في سن الفيل، ليحظى المعرض باتساع تصاعدي، بدأ يستقطب الكثير من الكتّاب الفرنسيين والفرنكوفونيين، قبل أن يحطّ رحاله في «البيال»، ليبدأ الحديث عندها على أن «الصالون» هو ثالث أكبر معرض للكتاب الفرنكوفوني في العالم. جملة لا بدّ أن تجد مداها في تضخم «الأنا» عندنا، ولا بدّ أن تعيد أحلامنا «الفينيقية» بغزو الكون. صحيح أن عدد زوار المعرض يقترب من مئة ألف شخص كلّ عام (وفق احصاءات «المعهد الفرنسي» عينه، ومن بينهم 20 ألف طالب)، وهو عدد فعلي لا يُستهان به، لكن علينا الانتباه لأمر أساسي: غالبية معارض العالم تفرض رسم دخول على الزوار، بينما الدخول إلى معرض بيروت مجاني. من هنا، أيمكن فعلا أن نتحدث عن كونه واحدا من المعارض الكبيرة؟ هل لو ثمة رسم دخول، أكان العدد يصل إلى هذه الدرجة؟ من دون أن ننسى بالطبع أن معرض بيروت هو معرض «مكتبات» بالدرجة الأولى وليس معرض ناشرين كما هو الأمر عليه في معارض العالم الأخرى.
علينا، ربما، أن نتخطى قصة العدد؛ إذ إن المعرض استقطب في فترات طويلة الكثير من الأسماء المهمة أكانت في عالم الأدب أم في علم الاجتماع أم من فناني الشرائط المصورة الخ.. (فرنسيين ولبنانيين وفرنكوفونيين). جاءت سنوات، كنّا نجد فيها أكثر من مئة كاتب تمّت دعوتهم إلى الحضور. وكانت هناك أنشطة حقيقية، لكنها بدأت تخف في السنوات السابقة، بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي تخفيض ميزانية النشاطات الثقافية، ما انعكس سلبا على معرض بيروت، وكانت هناك الكثير من الأحاديث التي نحت إلى أن المعرض سيعلق ويختفي، لولا أن «نقابة مستوردي الكتب في لبنان»، ولولا مؤسسة «ســيدرونا» اللتين أخذتا على عاتقهما تحمل القسم الأكبر من التكاليف بمساعدة «المعهد الفرنسي»، ما ضمن استمراريته إلى الآن.

الحياة حلم
إذًا المعرض لا يزال قائما بيننا. وسيُفتتح السادسة من مساء اليوم الجمعة في «البيال»، برعاية دولة الرئيس تمام سلام وبحضور وزيرة الثقافة الفرنسية أودريه أزولاي. هل حضور الوزيرة الفرنسية «مفاجأة» ما؟ قبل سنين، وخلال «الألعاب الفرنكوفونية» التي شهدتها بيروت، جاءت وزيرة الرياضة راميه ياد التي افتتحت المعرض أيضا. السنة الماضية افتتحه رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه، الذي «سمع» بعض الهتافات «التي سمّت بدنه بالتأكيد»، إذ طالب ناشطون بإطلاق سراح جورج عبد الله، قبل أن يتدخل رجال الأمن ويخرجوهم من القاعة، على الرغم من أن «لارشيه» لم يتوقف طوال كلمته عن تذكيرنا بمعنى الحرية والديموقراطية. هل تسمع أزولاي كلاما مماثلا الليلة؟ من يدري، لكن بالتأكيد ستذكرنا بمعنى الديموقراطية والحرية وستشدد على أهمية الثقافة وعلى كل هذا الكلام من أننا.. «شعب رائع» (على الرغم من كل مساوئنا التي تتكاثر باضطراد لا مثيل له).
جمهورية سعيدة بكل الأحوال.. ربما لأن الأمر الوحيد المنتظم هو معارض الكتب فيها، التي تأتي في مواعيدها دائما. فكل الاستحقاقات الأخرى، تتطلب سنوات كي يتم الاتفاق عليها. فبرغم كل شيء، مدينة بمعرض كتاب (فرانكوفوني وعربي) أفضل بكثير، على الأقل حتى لا نشعر بأن الموات أصاب كل شيء وأنه يخطف ما تبقى لنا من وهم بأننا «شعب مثقف» (فعلا وقولا).
لنحلم إذًا، فـ«الحياة حلم»، كما عنون الكاتب الإسباني بيدرو كالديرون مسرحيته التي كتبها العام 1635 والتي جعل من موضوعها الرئيس هذه الفكرة: «الحرية مقابل القدر». لنحلم على الأقل بمعرض جيد هذا العام. ما من شيء يمكننا القيام به غير ذلك. قد نستمع، في لحظة، إلى كلمة جميلة من كاتب أو حتى من سؤال يطرحه أحد الحاضرين، تعيد تذكيرنا من أن القدر ليس بهذا السوء، وبأنه يمكن للثقافة أن تكون مفتاح حرية مشتهاة.. لكن لنسأل أولا أي ثقافة نريد، وهل يمكن لهذا المعرض أن يقدمها لنا في الأصل؟

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى