علام فخور ينحت من نواة تمرة حرية دائمة

عبد الله مكسور

علام فخور نحّات وفنان سوري، ولد في مدينة السلمية في محافظة حماه وسط سوريا، عام 1977، ودرس في قسم النحت بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وامتاز فخور بالنحت على الرخام، ليتنقل في اشتغاله الإبداعي بين دمشق وبيروت وصولا إلى زيوريخ السويسرية، حيث يقيم الآن.

أغلب منحوتات علام فخور تعبر عن الواقع وقضايا المجتمع السوري، حيث اعتمد طرحا فنيا خاصا للتعبير عن موقفه من مسائل وقضايا كونية، وجودية، معرفية متنوعة، فكان اشتغاله الفني يجمع بين ثناياه، المرأة، الطفل، الأسرة، القيد، الظلم، الصراع والحرية.

ولهذه المواضيع ارتكازاتها في حياة فخور الذي تعرّض للاعتقال عام 2006 من مشغله الفني في العاصمة السورية، دمشق، وليغيب إثرها خمس سنوات كاملة، يصفها اليوم بأنها أعاقت كلّ مراحل حياته اللاحقة، مشاعر الإحباط والانكسار سيطرت على روحه ومعنوياته، لكن الفنان المتمرد بداخله لم يستسلم للقبح والبشاعة والظلم والظلام، كما يقول، فعمل جاهدا على تحويل كل هذه المعاناة إلى منتج إبداعي جمالي إنساني، ينتصر للقيم السامية.

لأول مرة يروي علام فخور تفاصيل اشتغال المنحوتات في المعتقل، يتحدث عن أبرز الأفكار التي اشتغل عليها خلال تلك الفترة بين عامي 2006 و2011، يقول “كان الوقت يمر ببطء، الأجواء في المعتقل دائما مشحونة بالقلق والرعب وعدم الاستقرار، شعرت بحاجة إلى الرسم أو النحت، رفاهية في وقت عزّت فيه أساسيات الحياة، بدأت أنحت على نواة تمرة، بدأت القصة بأشكال صغيرة جدا، تطوّرت الفكرة حتى صرت أنحت على الصابون، حاولت الممازجة بين الخبز والصابون لتشكيل عجينة، ونجحت، كانت لحظةً انتصرت فيها على السجّان، تلك كانت خلطتي السرية لقتل الوقت، عجينة الخبز والصابون كانت المادة الخام التي شكَّلت من خلالها أغلب منحوتاتي في المعتقل”.
حركتان مختلفتان في فضاء مكاني واحد داخل السجن وخارجه، الفاصل بينهما باب حديدي، كان السجان خارجه والنحات داخله، بروح تحلّق لساعات بحركة لا تتفق مع الزمان الذي يمر متثاقلا في السجن، كان علَّام يشتغل في الظلام على منحوتات صغيرة، استطاع تهريب بعضها خارج أسوار السجن بطرق لا تقل في إثارتها عن طريقة اشتغالها.

وعن الأثر الذي تركته مراحل حياته والبيئة المحيطة به على اشتغاله الفني، يرى علام أن الفنان لا ينفصل عن واقعه، فكل مرحلة من حياة الفنان تفرض حالة شعورية، وأخرى لا شعورية معينة تنعكس على أعماله، يمكن ملاحظتها مباشرة بعين الناظر.

التأثير لا يقتصر على الواقع الذاتي كما يراه علام، بل يتعدى ذلك إلى البيئة المحيطة، والحالة الثقافية والتحولات التاريخية التي يمر بها مجتمعه، فالفن في أحد معانيه بحسب ضيفنا، هو التعبير الجمالي عن الواقع، والفنان يمر بمراحل فنية عديدة، حيث تغويه التجارب المتنوعة في بداياته، فيخطو أولى خطواته متقيّدا بالمدارس الفنية باحثا في اشتغالاته الفنية عن عباءة يغلّف بها منحوتاته، ثم لا يلبث أن يتمرد على الجميع بأسلوب خاص، يتجلى له عبر التجارب المتكررة. عند علام تتفوق الفكرة والمضمون والتعبير الجمالي والأخلاقي على ما سواها من اعتبارات الانتماء إلى مدارس فنية.

وعند سؤال علام عن أبرز المراحل التي تمر بها المنحوتة من لحظة تولد الفكرة حتى نراها معروضة أمام الجمهور، يقول “إن فكرة العمل هي المرحلة الأولى والأهم، فبمجرد نضوج الفكرة وآلية ترجمتها إلى عمل نحتي يبدأ التنفيذ المباشر”.

ونادرا ما يلجأ ضيفنا إلى مبدأ “السكيتشات” قبل العمل حتى حين اشتغاله في النحت على الحجر، ويؤكد أن هذه الطريقة تجعله أكثر انضباطا في العمل وانشدادا له، فغالبا ما تكون الصورة النهائية للمنحوتة مختلفة عن التصور المبدئي لها، بل تتفوق عليها بالقيمة الجمالية، فالعمل العفوي يطلق العنان لاختيار أفضل الحلول الجمالية، والإخراجات الفنية التي تخدم الفكرة خلال تنفيذ العمل، بحسب ضيفنا.

وعن ملامح المشروع الإبداعي الذي يشتغل عليه علام فخور، يقول إنه ربما يكون النحت أقل نخبوية من الرسم، لكنه يشتغل على إخراجه من التقوقع الذي يعيش فيه، ليخدم شرائح أوسع في المجتمع، فالفن عند علام كالعلم يخدم المجتمع ويعبّر عن ثقافته وتطوره، وفي ذات الوقت يشتغل ضيفنا على مستويات إبداعية عديدة، من خلال المزاوجة بين النحت والفنون الأخرى، حيث تحمل المنحوتة في جوهرها مادة درامية، ومسرحية، وإحساسا موسيقيا، ولغة شعرية وحكاية.

وفي سبيل الوصول إلى هذه الصورة يعمد علام فخور إلى الدمج في اشتغالاته الفنية بين عدة مدارس بما يخدم فكرة ومضمون العمل الذي يشتغل عليه، فالجمال يفرض نفسه حتى لو كان مخالفا لقواعد المدارس في النحت، لهذا يؤكد ضيفنا أن القطع التي ينتجها هي مزاوجة بين ملامح التعبيرية مع الرمزية، وأحيانا السريالية مع الحداثة، ويبقى في أساس الخطوة الأولى هو البصمة الخاصة التي يحملها المبدع في الفكرة والاشتغال.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى