ليلى سليماني.. بعيداً من الإسلام والهوية والهجرة

عبد الرحيم الخصار

قبل سنتين، كان الطاهر بن جلون يدافع عن نفسه وهو يواجَه باتهامه بالحيلولة دون حصول الجزائري كمال داوود على «جائزة الغونكور» كي يبقى المغاربي الوحيد الحاصل عليها، وسواء كان الأمر مجرد اتهام أم حقيقة فقد تبدد هذا «الاستفراد» الذي دام ثلاثين سنة حين أُعلن أمس الأول في باريس أن الجائزة عادت هذه السنة للكاتبة ليلى سليماني التي تجمع في هويتها بين ثلاثة بلدان، فهي فرنسية من أب مغربي وأم جزائرية الأصل. ولتكون ثالث كاتب من أصول عربية يظفر بالغونكور بعد بن جلون وأمين معلوف.
ويبدو أن اختيار ليلى سليماني للتتويج بالغونكور هذه السنة يضفي صدقية إضافية على هذه الجائزة العريقة، ويكسبها المزيد من التميز بين الجوائز الأدبية العالمية، حيث تذهب اللجنة مباشرة إلى القيمة الأدبية للرواية بغض الطرف عن سنّ مؤلفها وعمره الأدبي ومكانته في الوسط الثقافي والإعلامي.
هذا ما حدث بالفعل مع ليلى سليماني القادمة من شمال القارّة الأفريقية والبالغة من العمر 35 سنة، والتي لم يتجاوز رصيدها الأدبي روايتين صدرتا عن «دار غاليمار»، لكنهما حققتا مبيعات جيدة واعترافاً ملحوظاً في الصحافة الفرنسية.

حياة مرتبة ومنظمة
وتبحث روايتها الفائزة بالغونكور «أغنية هادئة» في الحياة الاجتماعية وتشعباتها وفي مراقبة العلاقات الأسرية داخل المجتمع الفرنسي الحديث، وذلك عبر سرد مكثف ومبني على التشويق، حيث يلجأ زوجان من الطبقة الوسطى إلى خدمات مربية لتعتني بطفليهما، لكن هذه الأخيرة سترتكب جريمة قتل بشعة في حق الطفلين.
تبدأ الرواية بمشهد مؤثر حيث سيعثر رجال الأمن والإسعاف على رضيع وعلى أخته الصغيرة التي كانت تعيش لحظة عسيرة بين الحياة والموت. يوضع الرضيع في كيس بلاستيكي لتعود الكاتبة إلى بداية الأحداث وتتدرج في السرد بشكل هادئ، حيث الحياة الزوجية العادية بكامل روتينها وأعبائها، وتصل الخادمة لتبعث في البداية نوعاً من الحركة والحيوية في البيت، خصوصاً مع الطفلين، حيث أبانت عن حرصها على جعلهما ينعمان بحياة مرتبة ومنظمة ويستفيدان من كل سبل الراحة. تستمر لويز في ذلك وتحظى بثقة الزوجين، وتتعاقب الأحداث بدون صخب كما يوحي العنوان إلى أن تصل لحظة الانفجار.
تفتح الرواية سيلاً من الانتقادات الهادئة على الحياة الفرنسية الراهنة في تمظهراتها المتعلقة بالمال والحب والعمل والأسرة وأشكال التواصل داخل المجتمع. كما تقف عند عدد من المفاهيم التي طالتها التحولات الحديثة: التربية، الثقافة، الطبقة الاجتماعية. هذا ما تترجمه الأحداث التي تهيمن عليها ثلاثة أطراف: بول مهندس الصوت وزوجته مريم المحامية التي تركت مهنتها من أجل التفرغ لتربية الأطفال، لكنها بتشجيع من صديق سابق ستعود إلى فضاء المهنة، لذلك ستحتاج إلى خدمات الطرف الثالث في الرواية: لويز المربية، وهي الشخصية التي تظهر في الرواية بشكل غامض، ذلك أن صفة القتل تبدو بعيدة كلياً من البورتريه الذي وضعته لها الكاتبة، وهذا سيكشف كيف يتحول الإنسان العادي والسويّ اليوم في انعطافة سريعة إلى كائن غريب ومتوحش.

الواقع الفرنسي
تحاول ليلى سليماني أن توجد هي وشخصياتها في صلب الواقع الفرنسي قاطعةً مع أشكال النوستالجيا التي لا تفارق المهاجر العربي عادةً، متوخية بذلك تكسير الصورة النمطية للكاتب العربي الذي يبدأ مشروعه الأدبي في أوروبا مثقلاً بماضيه، ومنشغلاً بإقامة تلك المقارنات اللامنتهية بين بلده الأم وبلد الإقامة. تقول عن ذلك في تصريح لفرانس 24 : «عندما تنشر امرأة مغاربية شابة روايتها الأولى يُذكر الإسلام والهوية والمغرب العربي والهجرة… أردتُ أن أُظهر أن مغاربياً يعيش في فرنسا يحيط أيضاً بثقافة عالمية جامعة، وليس مجبراً على ذكر كثبان الرمل والجِمال والمساجد».
ولدت سليماني في المغرب سنة 1981، درست في المعهد الثانوي بالرباط، وانتقلت مع نهايات القرن الماضي إلى باريس لمواصلة تعليمها العالي في معهد الدراسات السياسية، ثم المدرسة العليا للتجارة.
اشتغلت خمس سنوات في الصحافة (مجلة جون أفريك)، ثم تركتها وتفرغت للكتابة الأدبية. خرجت صاحبة «أغنية هادئة» و «في حديقة الغول» من بهو الصحافة ودخلت إلى عالم الكتابة من أوسع الأبواب، فالغونكور تمنح أورو واحداً كقيمة مادّية للجائزة، لكنها تدفع بالرواية الفائزة إلى تجاوز 350 ألف نسخة من المبيعات، فضلاً عن الحضور الطاغي في مختلف وسائل الإعلام وبلورة مكانة فريدة في الأوساط الثقافية الفرنسية والعالمية.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى