«مهرجان بيروت للأفلام الفنيّة الوثائقية» الثاني

علي زراقط

تتكاثر مهرجانات الأفلام المتخصصة في المدينة، ولا يلبث أن ينتهي مهرجان حتى يبدأ آخر، وأهمّ ما في هذه المهرجانات هو تنوعها وتفاوتها في التيمات والاتجاهات، بحيث لا تشعر بأن في الأمر تكراراً.
تنطلق في الثامن من تشرين الثاني، النسخة الثانية من «مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية». يبدو المشروع طموحاً من حيث الفكرة، كما من حيث التنظيم إذ يتشارك المنظمون مع ثماني جامعات لبنانية وكلياتها الفنية. ينقسم المهرجان إلى قسمين، «داخل الأسوار» وهو المنعقد في «صالة ميتروبوليس» (صوفيل)، بين ٨ و١٣ تشرين الثاني، أما القسم الثاني فهو سلسلة نشاطات تنتشر على أكثر من مكان ومدينة لبنانية بين ١٦ و٢٠ تشرين الثاني.

زمن خلف الكاميرا
يهتم المهرجان بالأفلام الوثائقية التي تتخذ من الفنون موضوعاً لها، ومنها الأفلام عدة محاور: الهندسة المعمارية والآثار، الفن والمجتمع، الرقص والموسيقى، تاريخ الفنون، وتاريخ المتاحف. من خلال هذه المجموعة الغنيّة، تحفّز العروض العلاقة بين السينما كفن بنفسه وبين الفنون الأخرى، لتصير السينما الفن الذي يحكي ويحوي كل الفنون الأخرى. لطالما كانت السينما مغرومة بالعمارة، إن كانت السينما هي الزمن خلف الكاميرا، فإن معادلها الموضوعي هو العمارة التي هي المكان الذي يحيا هذا الزمن داخله. يقدم المهرجان أفلاماً ترتكز على قصص حياة وعمل عدد من المعماريين المشهورين أبرزهم «زها حديد « و «غاودي»، بالإضافة إلى إضاءة على بعض أهم المباني التاريخية، قلعة الشقيف» (في لبنان)، «آيا صوفيا» (في تركيا)، و «الكولوزيوم» (في إيطاليا). لا تكمن أهمية هذه الأفلام فقط في قيمتها كسينما، فالبعض منها يكتسب أهميته من خلال تقديمه المعلومة، والوثيقة التي تتكلم عن القيمة الفنية لمواضيعه. فرؤية المباني والتراث المعماري من خلال الصورة، يمكنها أن توسع للمشاهد مخياله عن المكان وعلاقة الفرد به، بالإضافة إلى رؤية المفاهيم والقيم المعمارية في سياق منهجي يعيد إنتاج الحكاية السينمائية لخدمة الموضوع المعماري.
كما في المعمار كذلك في الرقص، تكتسب السينما بعداً جديداً. إذ إن إحدى أهم ميزات الرقص والموسيقى، أن العروض في هذين الفنين فانية، أي إنه نوع من الفنون يعتمد على الحضور المباشر في لحظة الخلق. الشيء الوحيد الذي يستطيع أن ينقل لنا الإحساس بهذه العروض هو السينما. من خلال عدد من الأفلام التي تختار الموسيقى كموضوع سنتابع وثائقيات عن أسمهان، آيمي واينهاوس، وماريا كالاس، موزار بالإضافة إلى إضاءات على «مسرح الباليه الأميركي»، ورقص الفلامينكو الإسباني.

فنون بصرية
في الفنون البصرية، سنشاهد أفلاماً تتحدث عن الرسامين كارافاجيو، فالوتون، بيكاسو، النحات الإيطالي إلبيرتو جياكوماتي، وفنان البوب آرت الأميركي أندي وارهول. هؤلاء الفنانون أحدث كل منهم ثورة في عالم الفن في عصره، حكايات هؤلاء الفنانين الساحرة كما لوحاتهم ومنحوتاتهم تغوي وتغري بالمشاهدة. كما يمر المهرجان عبر مجموعة من الأفلام، ليروي سيرة عدد من المتاحف والمجموعات الفنية المشهورة. من خلالها سنزور الأرميتاج الشهير في مدينة سانت بيتربورغ، ونمرّ على سيرة المتحف الوطني اللبناني، ومتحف سرسق للفن الحديث، بالإضافة إلى سيرة محيية الفنون والمجمّعة الشهيرة بيغي غوغنهايم.
أما في مجال فنون الأداء، فيعرض المهرجان فيلمين وثائقيين عن اثنين من أهم الممثلين العالميين، ألان دولون ومارلون براندو. بالإضافة إلى فيلم خاص من إخراج آل باتشينو، «البحث عن ريتشارد» الذي يقوم فيه بأداء عدد من المشاهد من مسرحية ريتشارد الثالث لدراسة الأثر الذي لا زال يمتلكه المسرحي الانكليزي على الثقافة اليومية في حياتنا.
يلقي المهرجان الضوء على العلاقة بين السينما، بكونها الفن الجامع لكل الفنون، وبين حالات الإبداع المختلفة. هي فرصة ممتعة لمحبي السينما كما الفنون الأخرى.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى