علاء عبد الحميد يروي بالصورة

ياسر سلطان

كتاب «المُجسَّم الذي تمَّ العثور عليه مرتين» (دار ميريت) للمصري علاء عبد الحميد، يمزج بين الصورة والكلمة (باللغتين العربية والإنكليزية). وغالبية الصور الفوتوغرافية التي يحويها الكتاب تدعم النص المكتوب في ما يشبه التوثيق لتجربة ما. يبدأ الكاتب نصه بذكر واحد من الأساليب المبتكرة التي اتبعتها إحدى عصابات النصب خلال السنوات القليلة الماضية مستخدمة خاصية الرسائل النصية، إذ يبعث أحدهم رسالة إلى شخص يختار رقم هاتفه عشوائياً ليخبره بأنه عثر على كنز أثري ويريد من يساعده للتصرف فيه، وبذلك يستدرجه إلى عملية نصب مُحكَمَة. تهيئ هذه الرواية القارئ لرحلة بحث ترتكز هي الأخرى حول مجسَّم عثر عليه أحدهم داخل شركة فرنسية للأدوية. الراوي هنا هو مصري يقيم في باريس وهو من عثر على ذلك المجسَّم. في الوقت الذي نظن فيه أننا مقبلون على قصة مثيرة لا تخلو من الغموض والتشويق؛ نكتشف أننا أمام متاهة من الاحتمالات والروايات الهامشــية التي يتـــخذ كلٌ منها مساراً مغايراً عن الرواية الأصلية للمجــسَّم؛ روايات هامشــية تتفكك وتجتمع من جديد لتدور مرة أخرى في فلك الحكــاية الأولى. فمن خلال البحث عبر الإنترنت حول هذا المُجسَّم نجد أنفسنا نقتفي أثر الكثير من الحقائق والروايات التاريخية. يدرك الرجل الذي يقدس الوحدة أنه ليس أول من اكتشف ذلك المجسَّم، فقد سبقه إليه فلاح في قرية رومانية أثناء عمله في أرضه، ولا نعرف كيف وصل إلى فرنسا. ومن هنا تتوالى الروايات الهامشية وينتقل الكاتب من حكاية إلى أخرى متتبعاً خطى الرجل في بحثه الدؤوب عن حقيقة المجــسَّم. «لفتني أثناء بحثي باللغة العربية، أن الصور التي تظهر لمجسمات غريبة تكون عبارة عن أجسام وجدها الناس وظنوا دائماً أنها قنابل أو متفجرات. أما نتائج البحث باللغة الإنكليزية فقد أظهرت صوراً لأجسام يُعتقَد أنها من الفضاء. أما البحث باللغة الفرنــسية فقد أظهر نتائج فكاهية بعض الشيء».
يتخذ البحث عن المجسم منحى تاريخياً حين يتوغل الكاتب في تاريخ المكان الذي تم العثور فيه على المجسم للمرة الأولى؛ إذ يجد نفسه متورطاً مثلاً، في البحث بين عدد ضخم من الوثائق التي تعود إلى فترة حكم الدولة العثمانية، بينها واحدة مكتوبة باللغة العربية، تحت عنوان «فصل في الفردانية»، وهو نص يمزج بين الفلسفة والتصوف. وهكذا يتداخل هذا النص في سياق الحكاية الرواية. ربما يتوقف الكاتب عند كلمة ما فيسترسل في الحكي بعيداً من السياق الأول ليعود إليه من جديد. أما الصورة هنا، فهي جزء من السرد، يوثق بها الكاتب رواياته المختلفة، فيبدو النص في النهاية أشبه بفسيفساء من النصوص والمسارات المتعددة للحكي. في هذا النص يصل الرجل في النهاية إلى أنسب الحلول التي يراها، حين يقرر ارتداء المجسم والاستغناء به عن العالم.
لا ينسى الكاتب أن ينبــهنا إلى ذلك الأمر في تقديمه للكتاب: «هذا النص تأويل لثلاثة نصوص متشابكة، أولها وصفي وثانيها أدبي وثالثها فلسفي. تم الاعتماد في شكل كبير على كتابات وأفكار ونمط حياة بعض الكتاب مثل إميل سيوران وألبير قصيري وولتر بنيامين. يدور النص في فلك فكرة الوحدة كخلاص وانسلاخ من الأنظمة المجتمعية المختلفة. على المستوى التقني؛ تلعب الهوامش دوراً أساسياً في دعم هذا النص، ويتم الاعتماد عليها في شكل دائم لأن الكاتب يفترض اختلافات ثقافات من سيقع تحت أيديهم هذا النص. الاستشهادات والمقتطفات من النصوص الأخرى هي تماهٍ مع طريقة وولتر بنيامين» في التعامل مع اللغة، فقد كان يسمي هذه الطريقة (استخدام نصوص أخرى للاستشهاد) «الموزاييك الأكثر جنوناً»، كما أن النص يتسم بالوضوح، فليس بالضرورة أن يكون معقداً حتى يبدو مهماً، مثلما قال ألبير قصيري في حواره مع ميشال ميتراني».
علاء عبد الحميد، كاتب وفنان بصري تخرج في كلية الفنون الجميلة في القاهرة، وصدرت له من قبل روايتان؛ «كوول مي» عام 2009، و «فرد أمن» عام 2010.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى