تكريم «اليونسكو» حدث معرض الشارقة

عبده وازن

لعل الحدث الأبرز الذي وسم معرض الشارقة الدولي للكتاب، اختيار إدارته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» ضيف الشرف في دورته الخامسة والثلاثين. وهذه البادرة في مثابة تكريم لمنظمة «اليونسكو» بعد تصويت مجلسها التنفيذي قبل شهرعلى قرارين مهمّين حول فلسطين المحتلة، أثارا غضب إسرائيل، وهما يدعوان الى «الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدس الشرقية»، مع الإشارة إلى إسرائيل باعتبارها «قوة احتلال». وعلاوة على هذه القرارين، رأت إدارة المعرض في بادرتها تكريماً للجهود التي تبذلها المنظمة لرفع مستويات المعرفة في العالم، لا سيما في البلاد المتضررة نتيجة الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية. وفي تكريمها، يلقي المعرض الضوء على الجهد المتواصل الذي بذلته المنظمة منذ تأسيسها وحتى اليوم، كاشفاً المنجز الثقافي الذي رسخته المنظمة الدولية المرموقة منذ عام 1945، والذي يضمّ كمّاً كبيراً من المشاريع والمبادرات والنشاطات وسواها من أشكال دعم العلم والثقافة عالمياً.
وتحظى إمارة الشارقة، أصلاً، بشراكة مع «اليونسكو»، من خلال «جائزة الشارقة للثقافة العربية – اليونسكو» التي كان أطلقها الشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، عام 1998، بالشراكة مع المنظمة، وهي تهدف إلى تكريم المؤسسات أو الأفراد الذين ساهمت أعمالهم وإنجازاتهم في نشر – وتعزيز – المعرفة بالفن والثقافة العربيين. وفازت بهذه الجائزة أسماء كبيرة، عربية وعالمية.
أما معرض الشارقة الذي يبلغ سنته الخامسة والثلاثين، هو الذي كانت انطلاقته الأولى عام 1982، فلا يزال في صدارة المعارض الخليجية والعربية، لا من جهة ضخامة حجمه وعدد الدور والبلدان المشاركة فيه فقط، وإنما في برنامجه الثقافي الشامل والمتعدد الحقول الذي يرافق أيامه العشرة ولياليه. فالندوات والأسماء التي تشارك فيها تضفي على المعرض جواً ثقافياً فيه من الرصانة ما فيه من الإلفة. وهو بات أشبه بالفرصة التي ينتهزها الكتاب ليلتقوا جمهورهم ويقدموا له أعمالهم الجديدة، وكذلك القراء المتعطشون الى الجديد في عالم التأليف والنشر. وما يميز معرض الشارقة، انفتاحه على الآداب العالمية، خصوصاً الآداب الآسيوية، الهندية والباكستانية وسواها. وليس من المستغرب أن يخص المعرض الجمهور الآسيوي بأجنحة كثيرة تشهد دوماً زحمة لافتة جداً.
وكان معرض الشارقة صُنّف كواحد من أفضل أربعة معارض للكتاب على مستوى العالم عام 2013. وفي نيسان (أبريل) 2015، فاز معرض الشارقة بجائزة أفضل إنجاز ضمن جوائز التميّز الدولية 2015، التي يقدمها معرض لندن للكتاب، تقديراً لدوره في توطيد التعاون في مجالات الثقافة بين العالم العربي ودول العالم.
وعلى غرار الدورات الأخيرة، تشهد الدورة الخامسة والثلاثون من المعرض مشاركة 1420 دار نشر من 60 دولة، تعرض مليون ونصف مليون عنوان، منها 88 ألف عنوان جديد على مساحة بلغت 25000 متر مربع. هذه أرقام ليست بالسهلة. ويتفرد معرض الشارقة ببرنامج يتعلق بثقافة النشر ومهنيته، ويضم دورة تدريبية للناشرين العرب بالتعاون مع مركز النشر في كلية الدراسات المهنية في جامعة نيويورك بمشاركة 50 ناشراً عربياً، وضمنها جلسات نقاشية تتناول جملة من قضايا صناعة النشر، والجانب المهم من البرنامج المهني هو «مواعيد المتخصصين»، لعقد صفقات بيع الحقوق وشرائها. وهذه الصفقات هي التي باتت تميز معظم معارض الكتب البارزة عالمياً.

روائيون وفنانون
يقدم المعرض في دورته الحالية، عدداً كبيراً من النشاطات والندوات وتبلغ نحو 1400 في حقول شتى بمشاركة 235 باحثاً وكاتباً. ويشهد مثلاً، المقهى الثقافي أكثر من 33 نشاطاً في حضور 39 ضيفاً ومشاركة 11 دولة، أما برنامج الطفل فيتضمن 1076 نشاطاً في حضور 54 ضيفاً ومشاركة 19 دولة، أبرزها «سيرك بكين»، والعرض الموسيقي التعليمي «سمسم»، والعرض المسرحي «عائلة آدم»، والفقرات الترفيهية مع «الساحر الرقمي» إضافة إلى سلسلة المغنين المستضافين والموزعين على برنامج الأطفال وأبرزهم «راما رباط»، وفرقة بريان هول العالمية. ويعقد خلال المعرض، مؤتمر المكتبات بالتعاون مع جمعية المكتبات الأميركية.
الضيوف هذه السنة كثر ويتوزعون على ميادين عدة، ثقافية وفنية، وفي مقدمهم الممثل عزت العلايلي، أحد كبار الحركة السينمائية في مصر. ويحضر من السعودية: الشاعر والكاتب محمد المقرن، من الكويت: الروائي طالب الرفاعي والإعلامية أمل عبدالله، من الجزائر: الروائية أحلام مستغانمي والروائي واسيني الأعرج، من مصر: الروائي محمد ربيع، من لبنان: الشاعر شربل داغر والروائي جورج يرق، من فلسطين: الروائي والشاعر إبراهيم نصر الله والقاص محمود شقير والروائي ربعي المدهون، من سوريا الروائي محمــود حســـن الجاسم والروائية شهلا العجيلي، من المغرب: الشاعر والروائي عبدالنور مزين، الروائي طارق بكاري صاحب رواية «نوميديا» الفائزة، ومن السودان: الروائي حامد الناظر.
ومن أبرز الضيوف الأجانب، الروائية الأميركية كاساندرا كلير صاحبة الرواية التي تحولت إلى فيلم «الأدوات المميتة: مدينة العظام»، المخرجة السينمائية والكاتبة هولي غولدبيرغ سلون، مؤلفة «سأكون هناك»، الكاتب إيريك فان، الروائية والسيناريست كلوديا غراي، الكاتب السينمائي والمسرحي الأسترالي غريمي سيمسيون. ومن الهند: كايلاش ساتيارتي الشخصية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2014، الممثلة الهندية الشهيرة شيلبا شتي، الممثلان أرشاد وارسي وشاتروغان سينا، والكاتب والناشط شاشي ثارور، والروائية شيتان بهجت.
ويقدم المعرض مبادرة جديدة وتفاعلية تحت عنوان «اقرأ لي»، توفر من خلالها أكشاك مجهزة بأدوات لتسجيل الصوت، ويُطلب من زوار المعرض أن يقوموا باختيار كتاب ليقرأوه، وترسل التسجيلات الصوتية الى مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة ودور المسنين للاستفادة منها كنوع من المبادرة المجتمعية من الزوار أنفسهم.
وخلال الافتتاح، قدّم الشيخ سلطان القاسمي، راعي المعرض، النسخة الأولى من كتابه الجديد «صراع القوى والتجارة في الخليج» (1620 – 1820) الصادر عن منشورات القاسمي، والذي يدور حول تاريخ الأسر الحاكمة على ضفّتي الخليج، ويعد مرجعاً للباحثين في الاقتصاد والتجارة في الخليج في هذه الفترة الممتدة لنحو 200 عام، ويروي قصة الصراعات بين القوى الفارســية والنزاعات المحلية الأخرى حول التجارة في الخليج، وحول شؤون شركات الهند الشرقية الأوروبية.

شخصية العام
وكرّم القاسمي خلال حفلة الافتتاح، المفكر والأكاديمي غسان سلامة، وزير الثقافة اللبناني السابق، الذي فاز هذه السنة بشخصية العام الثقافية في المعرض، تقديراً لمسيرته الأكاديمية وعطاءاته الثقافية الحافلة بالإنجازات والمؤلفات التي شكلت إضافة قيّمة إلى خزانة المعرفة العربية. وكرم القاسمي كذلك الفائزين بجائزة «اتصالات» لكتاب الطفل في دورتها الثامنة. وألقى غسان سلامة، الشخصية المكرمة في المعرض، كلمة قال فيها: «لا توجد حاجة في حضرة الشيخ سلطان القاسمي الى تجسير أي فجوة بين الأمير، والمثقف، فهو مثقف كبير منذ اللحظة التي انكبّ فيها على مشروعه الثقافي، وفي خوضه للكتابة في التاريخ والفكر، وكان أميراً في دعمه ورعايته المتواصلة ليس للحراك الثقافي في الشارقة أو الإمارات وحسب، وإنما في العالم العربي بأسره، بحيث ظل مؤمناً بأن النهوض بالثقافة العربية يحتاج الى توسيع نطاق مشروعه ورؤيته». وأوضح سلامة: «إن رؤية حاكم الشارقة وجهده للنهوض بالحالة الحضارية العربية، تبديا في عدد من المبادرات والمشاريع التي أكد من خلالها أن الثقافة قادرة على أن تجمع ما فرقته السياسة، فشهدنا مشروع بيوت الشعر العربية التي تمتد من المفرق إلى تطوان، وشهدنا الهيئة العربية للمسرح، التي شكلت رافداً وراعياً للحراك المسرحي في مختلف بلدان العالم العربي». واعتبر سلامة أن تكريمه في معرض الشارقة ومن الشيخ القاسمي، لا يعد تكريماً له وحسب، وإنما تكريماً لعائلته التي أخذ من وقتها في سبيل الكتاب، قراءة وكتابة، وتكريماً لكل التلاميذ الذين منحهم بعضاً من علمه، ومساعديه في فترة تولّيه وزارة الثقافة في لبنان، ومئات المثقفين الذين استفادوا من الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق».
أما رئيس هيئة الشارقة للكتاب أحمد بن ركاض العامري، فقال في كلمته خلال الافتتاح: «ليست هناك مفردة أكثر تكثيفاً لسيرة معرض الشارقة الدولي للكتاب من «الشغف»، وإن كان يُشكل علامة فارقةً للشارقة في العمل الثقافي، فهو جزءٌ من نسيج إماراتي يزداد قوة وصلابة كل يوم. والمعرض لا يسرد سيرة نجاحه ونهوضه، فهي ليست سيرةً واحدةً، وإنما ملايين السّير التي يرويها كل مثقف كان ضيفاً على المعرض، وكل دار ناشر شاركت فيه، وكل كِتاب خرج إلى النور من فضاء المعرض، وكل قارئ بنى مكتبته بلهفة وهو ينتظر المعرض شهراً تلو آخر. هذه السير قد تبدو في مجملها أشبه بسيرة ثقافية واحدة، هواها شارقي، وروحها إماراتية، فالمعرض لم يكن يوماً شارقياً فقط، إنما إماراتياً عربياً وعالمياً بامتياز». وأضاف: «ربما تكفي كل تلك الحكايات، لتقول إن سيرة المعرض لها فصولٌ طويلة، ولم نقرأ منها حتى اليوم سوى أربعة وثلاثين فصلاً، وسنكون على موعد مع الشغف في فصول مقبلة، فهو اليوم يكتب تاريخ الفعل التنويري والإنتاج المعرفي في دولة الإمارات، ويمتد اتساعاً ليحتضن الثقافة العربية والعالمية بتنوعها الهائل، وتعدد صورها المدهشة»، وليشكل حدثاً يدفعنا إلى الاحتفاء بالقراءة في كل يوم من حياتنا».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى