شاعرة عراقية ترى أن الشعر موجود في المساجد والكنائس وفي دقات قلوبنا ونظرة عيوننا

رانيا بخاري

لم تعد أنثى القصيدة تلك الانثى التي تبحث عن كينونتها وإنسانيتها المضطهدة، لا لم تعد كذلك فقد حطمت كل قيود القبيلة وأعرافها معلنة حضورها عبر أناها المتحررة. باحت بكل أوجاع النساء المخبأة في خصوصيات البوح الانثوي، فتعالت أصوات النون وبات حاضرة في جادة الشعر.

ومع صوت من أصوات النون العراقية، وفاء السعد التي صدر لها اكثر من ديوان شعري، إنها ابنة السياب والبياتي خرجت من طمي الفرات ودجلة، قرضت القوافي في سوح بابل الشعراء، تشظت قوافيها على كل قوميات عراقها بكل طوائفها، فالشعر لا حدود له تناجي أمجاد بلاده التي شردتها الحرب، وحين تبكي الأنثى تتلون الأرض ويكون هذا الحوار مع وفاء السعد.

• يبرز الآن الشاعر المفكر على حساب الشعر الغنائي مما أثار مشكلة الفكر الشعري، الى أي مدى يمكن أن يغدو الفكر موضوعا للشعر، وما الحدود التي يمكن تقبلها من الشاعر عند ما يحاول صياغة فكر شعري؟

ـ هناك أنواع متعددة في صياغة النص الشعري. وسواء كان الشعر توعويا أو شعرا وجدانيا قد يكتب بهدف القراءة والإلقاء، أما ما كان منه شعر غنائي فيتسم بالمفردة البسيطة التي تستوعبها أذن المتلقي بمستويات ثقافية متنوعة وليس فيها من الترميز أو انزياح اللغة ما يضع حاجزا بينها وبين المتلقي، أما الشعر الفكري البعيد عن الغنائية هو شعري مموسق ومنظم وفق أسلوب مختلف تماما.

اما ما يخص الحدود التي يضعها الشاعر، فالشاعر يكتب بأسلوبه الذي يميزه وليس هناك حدود الا فيما يخص اللغة وموسقتها شعريا. هل هذه الكتابه تندرج ضمن الشعر أم لا؟ وهنا يأتي دور المتلقي وليس دور الشاعر في تقييم النص وفق ذائقة واعية والمتلقي هنا قد يكون ناقدا بارعا او انسانا بسيطا.

• مأساة زرقاء اليمامة في المخيلة العربية وفي الموروث هل أعادت الى الذهن الخطر القادم، وهل استطاع الشعر بحدسه ان يحزر من ذلك الخطر القادم؟

ـ نعم نحن نعلم ما للشعر من دور هادف وكبير في استنهاض الهمم أو في التحذير من الوقوع بما لا يحمد عقباه. فقد قال الشاعر لقيط بن يعمر الأيادي يحذر قومه من هجمة قريبة عليهم بإرسال رسالة شعريه مفادها:

بل أيها الراكب المزجي على عجل ** نحو الجزيرة مرتادا ومنتجعا

ابلغ أيادا وخلل في سراتهم ** أني أرى الرأي ان لم أعص قد نصعا

مثل هذا الشعر ومثل ما كانت زرقاء اليمامة تشير اليه بات اليوم يتردد بأصوات عشرات الشعراء. لكن المشكلة الوعي الاجتماعي والأدبي ضعيف بسبب مخططات تسعى لتدمير الشخصية العربية وثقافتها ومستوى الوعي لديها.

• يقال إن قصيدة النثر قصيدة قراءة عابرة اذ تخاطب عبر الجسد الورقي عيني القارئ، وانه أهدرت الجوهر الشعري!

• من الأمور التي لا بد ان نشير لها.. أن كتاّب قصيدة النثر يدركون التسلسل الزمني لتطور الأسلوب الشعري من العمود للتفعيلة للنص النثري في حين نجد هجمة حول كتابة قصيدة النثر من شعراء العمود.

قصيدة النثر لم تهدر جوهر الشعر مطلقا ولكن ليس كل من يكتب هذا النوع من الشعر يجيد كتابته بموسقة سمعية ولفظ أدبي يهز المتلقي.

قصيدة النثر عالم حر يفتح قيود التعبير ولا يكون مجبرا على نهاية لفظية قد تسئ (أحيانا) للاستهلال في رسم الصورة الشعرية. ويبقى الشعر العمود مرتكزا القصيدة العربية التي قامت عليها وتظل لها مكانتها الخلّاقة.

بالمناسبة أنا ضد التسمية (قصيدة النثر أو الشعر النثري أو النص النثري) هو (شعر حر) النثر جنس أدبي مختلف وهذه التسميه تقربه للنثر وتبعده عن التصنيف الشعري.

• لقد نام المتنبى ملء جفونه وهو الذي مات مقتولا مجردا من اطمئنانه الشعري باحثا عن الخلاص بأداة الشعر فهل للشعر سلطة؟

ـ بدون شك سلطة الشعر حركت مشاعر أكبر الفلاسفة والقياصرة والملوك. هذه الرنة الأدبية نجدها حين نقرأ القرآن وحين نبتهل ونقرأ الدعاء. حين نجعل الطفل يستسلم للنوم. في المساجد والكنائس في دقات قلوبنا في نظرة العين, شعر .. الحياة شعر.. إذن للشعر سلطة وسلطان.

• الشاعرة الان الا تستند في إبداعها الى عرف أنثوي كما انه تخطت العرف الذكوري الذي يوكد الرؤية السلفية للمرأة ويعزلها عن دورها المتكافيء في الحقل الادبي.. من منظورك هل تقف المرأة اليوم على أرض أكثر ديموقراطية مع الرجل؟

ـ ومع شديد الأسف مازالت المرأة الشاعرة في الوطن العربي تتعرض لضغوطات التطرف الذكوري غير المبرر رغم إمكاناتها الأدبية والمشاد بها من ذوي الاختصاص والمعرفة. بعيدا عن الدخول بمسائل سياسية أو التطرف الديني. الرجل أحيانا لا يود ان تكون المرأة منافسه له في المجال الأدبي، وهذا واقع لمسناه وأكرر هذا الأمر ليس عموميا.

• الشعر الان انزوى وهُمش وأصبح متدوالا نخبويا وانه سائر الى حتفه بل يحفر قبره بيده صحيح ذلك ام انه محض ادعاء؟

ـ أخالف هذا الرأي .. بل على العكس أجد كتابات بالمئات من أدنى مستوى، الذي يكتب كيفما يشاء وكيفما يصوغ قلمه ومستوى وعيه الى من يكتب للنخبة، ومن ثم من يكتب لنخبة النخبة.. الكتابة مفتوحة على مصراعيها خصوصا بوجود وسائل التواصل الأجتماعي التي تسمح لكل فرد بالنشر. كما أجد المتلقي يتذوق الشعر وله جمهوره الكبير.

• إزاء هذا التراجع في استجابة الوطن العربي للرد على العدوان الموجه اليه ما دور الشاعر هل يطلق النار على جمجمته كخليل حاوي أم يطلق صرخة لا تصالح مثل أمل دنقل، أم يسقط نفسه من شاهق بناء كابو ذكرى أم تراه يكتب مديحا للظل مثل درويش ماذا فاعل الشاعر؟

ـ الشاعر لم يقف يوما مكتوف اليدين إزاء أي موقف إنساني أو سياسي وغيرها. الشاعر روح تستدرج الهمم لذوي العزم وموجه للحد من السلبيات وتقويم الإيجابيات وهذا دور ليس بالهين، كما للجندي دوره للشاعر دوره.

• عمق ثقافة الشاعر الى الماورائيات او ما يسمى البارا سيكولوجيا هل ذلك محل رجم للغيب في جادة الشعر؟

ـ هي رؤيا واسعة قد يراها البعض رجما للغيب، ولكنها منظور بعيد المدى لا يمتلكه أي فرد، فكيف إذا كان شاعرا يبتدع تلك الصور التي تستقبلها حواسه الباطنية فيترجمها حروفا أدبية شاسعة المعنى وواسعة الصورة. هي صورة شعرية مبهرة، يكون فيها الشاعر جرما سابحا في تلك الماورائيات يدون انبهاره.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى