غياب مالك شبل.. مفكر إسلام التنوير..

عبد الرحيم الخصار

يكاد يكون مالك شبل ـ المفكر الجزائري الذي رحل عن عالمنا أول أمس بباريس ـ أحد أكثر المفكّرين المظلومين في العالم العربي والإسلامي، فالرجل يكاد يكون مجهولاً في بلداننا العربية، بما في ذلك الأوساط الثقافية والمعرفية، مع أن اسمه يشكل علامة مضيئة في فرنسا. فهو أحد أكثر الوجوه الفكرية حضوراً في الإعلام الفرنسي والأوروبي، وكتبه التي لم يُترجم معظمها إلى العربية تحظى بالمتابعة والتداول بشكل جيد هناك. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض مؤلفاته كانت تصنف ضمن الكتب الخمسين الأكثر مبيعاً في فرنسا، وقد راهن فيها على تقريب عدد من القضايا المرتبطة بالإسلام بأسلوب مبسط يتفاعل معه معظم القراء بعيداً عن التناول الأكاديمي الصرف الذي يجعل الأفكار والطروحات الجديدة حبيسة النخبة.
قبل سنتين اختارته مجلة «جون أفريك» كواحد من الشخصيات الأفريقية الأكثر تأثيراً في العالم، إذ بزغ اسمه منذ أواسط الثمانينيات كأنثروبولوجي وباحث في الشأن الديني وأحد أبرز الدعاة إلى تحديث الفكر الإسلامي وإعادة النظر في أشكال مقاربة الظواهر المرتبطة بالدين. حاضر في العديد من جامعات العالم حول قضايا الإسلام، ودافع عن القيم الأصيلة والسامية فيه، ودعا إلى ضبط المسافة بين الدين والسياسة واضعاً بذلك أصبعه على الكثير من البثور التي نمت على جسد الإسلام وشوّهت حقيقته.
حصل شبل على أربع شهادات دكتوراه في علم النفس، الأنثروبولوجيا، علم الأديان والعلوم السياسية. درّس بجامعة السوربون، وبعدد من الجامعات الأوروبية والأميركية، وكان عضواً بالمجلس العلمي في السوربون، وعضواً في مجموعة الحكماء لدى رئيس اللجنة الأوروبية رومانو برودي.
وصل شبل إلى أرض الكتابة والفكر بمؤلفه الأول «الجسد في الإسلام» سنة 1984، ثم أعقبه كتاب آخر بعنوان «تكوين الهوية السياسية»، لتتوالى مؤلفاته العديدة: المخيال العربي الإسلامي ـ قاموس الرموز الإسلامية ـ موسوعة الحب في الإسلام ـ التحليل النفسي لقصة ألف ليلة وليلة ـ في الرغبة ـ الذات في الإسلام ـ بيان من أجل إسلام التنوير ـ الإسلام والعقل، نضال الأفكار ـ القرآن للأطفال ـ ثلاث عشرة قصة حول القرآن والإسلام ـ حِكم الإسلام ـ الجنس والحريم، روح السراري: السلوكات الجنسية المهمّشة في المغرب الكبير ـ القاموس الموسوعي حول القرآن ـ أبناء إبراهيم: مسيحي ويهودي ومسلم في حوار ـ قاموس عشق للإسلام ـ تغيير الإسلام، قاموس الإصلاحيين المسلمين إلى اليوم ـ الإيروس عند العرب ـ لاشعور الإسلام، تأملات حول الحظر والخطيئة والاختراق. إضافة إلى ترجمته الشهيرة للقرآن.
وتدل عناوين كتب شبل على رؤيته الفكرية وعلى الطريق التي اختارها وهو يقترب من أكثر المواضيع التباساً وصعوبة في العالم اليوم: الدين. وقد وجدت طروحاته وأفكاره صدى واسعاً داخل فرنسا وخارجها، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ ظل الرجل في محاضراته ومقالاته يناضل من أجل تقديم صورة حقيقية عن روح الإسلام داعياً إلى وضع الدين على كرسي المساءلة بغية تنقيحه وتجديده، في عصر متحوّل لم يعد أهله يؤمنون بضرورة الرجوع إلى الخلف، كلما فكروا في التحرك نحو الأمام.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى