لوحات منى سكرية … امتداد لقلم الصحافة

رنا نجار

تتنقّل بك لوحات الصحافية والكاتبة اللبنانية منى سكرية بين المشاعر المرهفة والذكريات والموقف الإنساني من قضايا اجتماعية ملحّة مثل النزوح (السوري والفلسطيني) والهندسة المعمارية التراثية والحميمية في رؤيتها للأمور.
تبدو لوحات سكرية الستون الأولى التي عرضتها في القاعة الزجاجية – وزارة السياحة في شارع الحمرا – بيروت، ويعود ريعها لتأسيس «محترف شهرزاد للخزف التراثي الفلسطيني»، كومضة تُنبئ بموهبة يمكنها أن تتطوّر بعدما كانت مدفونة منذ الصغر.

موهبة طافت في عمر النضج وقدّمت للمرة الأولى في معرض رسمي، واختمرت تفاصيلها لتعبّر عن مكنونات هذه الكاتبة والصحافية الحساسة والملوّنة والحيوية كورودها وسهولها وحدائقها التي طغت على أعمال شكّلت مزيجاً من الفرح الطفولي الملوّن الذي يردّ الروح، فيما يخيّم السواد وعلامات الاستفهام الكثيرة على كوكب الأرض.
لكن هذا الفرح يقابله ألم وتعاطف مع النازحين في «لوحة بعنوان 1948- 2016» تبيّن أن النزوح مستمرّ منذ هجّر أول فلسطيني من أرضه.
ولا تخلو لوحات سكرية من موقفها السياسي ضد العنف والإرهاب والتهجير والاحتلال وإن في شكل خجول يحتاج الى صقل وتمرّس، وذلك في لوحة «سنجار» (أكريليك) التي تحكي عن معاناة الأيزيديين. أما العمارة التراثية المرتبطة بالتاريخ والثقافة العربيين، فتجسّدهما سكرية في لوحتي «قرطبة» و «باب توما» وتلك القناطر العالية لبيت لبناني قديم المرسومة كحلم بين اليقظة والنوم، وهو يمثّل البيت الذي ترعرعت فيه سكرية في بعلبك.
من يعرف صاحبة كتاب «حاورتهم منى سكرية» التي دخلت معترك الصحافة عام 1981، «لأنتقد وأرفع الصوت عالياً في وجه الطاغي والمحتل والفاسد وأبكي مع الذين يبكون وأنقل وجهة نظرهم، وأعبر عن أحاسيسي ومشاعري»، يفهم تماماً ما تفنّنت في رسمه على لوحاتها الأولى سواء الزيتية أو الغواش أو المائية أو الفحم أو الأكريليك. وقد اختارت التاريخ ذاته لبدايتها الصحافية أي 15 تشرين الثاني (نوفمبر) ولكن في 2016، ليكون تاريخ احترافها الرسم، كما تقول. «أحببت الألوان والرسم منذ صغري، كنت أرسم في شكل عشوائي من دون أن أتنبّه أن لدي موهبة. واشتغلت كثيراً في صنع العرائس واللعب بالقماش المزركش الممتلئ حياة وفرحاً. والآن بعدما اكتشفت موهبتي، نمّيتها بقليل من التمارين ودورات في المركز الثقافي الروسي».
ولكن ما الذي يجمع بين الكاتبة السياسية والمنحازة إلى قضايا العدالة الاجتماعية وخصوصاً القضية الفلسطينية وبين الرسامة؟ تجيب سكرية: «في الأمرين أنا أعبرّ عن أفكار ومشاعر وأحاسيس، وأدوّن ذكريات جماعية وفردية. هو خطّ واحد وسياق واحد. وكتبت بالريشة لتكون امتداداً لكتاباتي الصحافية».
تؤمن سكرية بفلسفة التطوع ومساعدة الناس والتكاتف والتضامن، «هذه القيم التي أؤمن بها تجعلني مطمئنّة وسعيدة. فلو كان العرب متضامنين ويقدم كل منا مقداراً من المساعدة لمحتاج أو إنسان يريد التقدّم والتطور في عمله مثلاً، لكانت بلداننا بألف خير». من هنا قررت مساعدة نساء فلسطينيات من خلال تأسيس «محترف شهرزاد للخزف التراثي الفلسطيني» الذي سيتّخذ من أحد المخيمات الفلسطينية مقراً له.
وهذه العملية ستموّلها سكرية من ريع المعرض، لشراء فرن يستخدم في إنتاج الخزف، ولتدريب النساء على هذه المهنة المشهورة بها منطقة الخليل. وشهرزاد هو اسم والدة سكرية التي رحلت في وقت مبكر عندما كان عمر منى أربع سنوات، فأرادت أن تُخلّد اسمها بعمل إنساني تستفيد منه نساء مهمّشات.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى