فرقة تونسية تحيي أصولها الإفريقية بالرقص والغناء

تحاول فرقة تونسية محلية تعود أصولها لعبيد أفارقة تم تحريرهم في القرن التاسع عشر، الحفاظ على ثقافتهم عن طريق الغناء والرقص.

ورغم أن فرقة “عبيد غبنتن” التي تشكلت قبل نحو قرن جنوبي البلاد، تواجه خطر اندثار ثقافتها بسبب عزوف شبابها عن تعلم تراثها، إلا أنها تبحث عن الخروج إلى الفضاء العالمي، متحدية انصراف الناس نحو أطباع حديثة، حيث لم تعد تستهويهم أغاني الفرقة بطابعها الإفريقي- التونسي الغارق في القدم.

وتُحمّل “عبيد غبنتن”، الحكومة التونسية مسؤولية عدم فتح الفضاء الدولي أمامها، إلا أن مسؤولا محليا دعاها إلى تنظيم نفسها في جمعية أو أي إطار قانوني يسمح لها بالاستفادة من دعم الدولة للحفاظ على هذا التراث.

صوت لضربات على “الشنة ” (طبل مصنوع من جلد الجمل) يقوم بها “النقار” (الطبال)، معلناً عن بداية عرض يجتمع فيه الرقص والغناء، وتُردد فيه قصائد تختلف فيها الأجناس الشعرية، ويشارك فيه عدد من الأشخاص، ذلك هو مشهد البداية في أغلب عروض الفرقة.

أعضاء الفرقة مُميزون في كل شيء، في أغانيهم التي ليس من السهل أن تفهمها، في رقصاتهم وحتى في لباسهم المستوحى من التراث الإفريقي، تسمى فرقة “عبيد غبنتن” أو “طائفة غبنتن”، كما تُعرف محليا في جهة الجنوب التونسي، بلغ عمرها اليوم قرابة القرن، وتسجل حضورها في أغلب التظاهرات الثقافية والمهرجانات الشعبية داخل البلاد.

وتضم الفرقة بين ستة إلى ثمانية أشخاص من كبار السن (معدل أعمارهم في حدود الـ55 سنة).

وتستمد اسمها من قبيلة “غبنتن” التي تقطن في منطقة القُصبة التابعة لمدينة سيدي مخلوف، من محافظة مدنين (جنوب).

و”عبيد غبتن” بحسب الباحث في الأنتروبولوجيا الأمين البوعزيزي “هم من العبيد الأفارقة الذين حررهم قانون إلغاء الرق، في تونس الصادر في عهد حاكم تونس أحمد باي، عام 1846”.

وأضاف البوعزيزي أن قبيلة “غبنتن العربية التابعة للتجمع القبلي ورغمة، جنوب تونس، آوت هؤلاء الأفارقة ومنحتهم أرضا يعيشون عليها”.

واليوم تفرعت الفرقة إلى أكثر من 4 مجموعات كلها يحمل نفس الاسم.

وتم إنشاء “طائفة غبنتن”، في بداية القرن العشرين، بحسب الحبيب التومي، قائد إحدى فرق “غبنتن”.

قال التومي: “يوجد اليوم أكثر من مجموعة تحمل اسم فرقة غبنتن، وجميعهم من العائلة الموسعة للقبيلة التي تضم 3 عائلات كبرى وهم التوايمة، والخضارة، والنواجي”.

وأضاف “لا يمكن أن تجد أحد أعضاء الفرقة في أية مجموعة من خارج عائلات القبيلة إذ تربطنا علاقة قرابة كبيرة ببعضنا”.

ومن جهته يرى الكاتب التونسي، محمد الهادي الجويلي أن “ما يميز هذه القبيلة؛ الزواج الداخلي، لا يسمح بالزواج من خارج القبيلة، الذي أصبح أشبه بالإلزام أحيانا، إذ تتحكم في الأمر روابط االقرابة الدموية، حيث يسمح الزواج بين أفراد العروش الثلاثة، فروع القبيلة الأم لكنه بدرجة أولى بين مكونات العرش الواحد”.

ورغم من مرور قرابة القرن على تأسيس الفرقة إلا أن أعضاءها مازالوا مُصرين على المحافظة على نفس الطابع من حيث اللباس الذي يرتدونه والذي يمتزج فيه الطابع الإفريقي بالتونسي، ويعتمد على لونين أساسيين يعبران عن تراث الجهة والعلم التونسي؛ وهما الأحمر والأبيض.

ويتمثل الزيّ الرسمي في عباءة بيضاء تغطي كامل الجسم وتحتها جبّة وسروال أبيض، كما يلبسون شاشية حمراء (قلنسوة) فوق رؤوسهم، ويضعون وشاحا أحمر اللون على الكتفين، وفي اليد اليمنى دائما ما تكون العصا حاضرة لتأدية رقصات معينة.

ويعتبر الجويلي، قبيلة غبنتن، من بين الأقليات الموجودة في تونس، وقال في كتابه “مجتمعات للذاكرة مجتمعات للنسيان” (نشر في 1994) “المجموعات المهمشة تحاول الإبقاء على ثراء الحقل الرمزي؛ بالإصرار الدائم على إعادة إنتاجه وتلقينه للأجيال المتعاقبة، وفرض صرامة على كل محاولة للاختراق والتغيير”.

ومن النادر أن لا تُسجِل مجموعة من فرق غبنتن، حضورها في إحدى المهرجانات الثقافية في الجنوب التونسي، وخاصة تلك التي تهتم بالتراث وإحياء تقاليد الجهة.

وفي السابق كان أهالي مدنين، دائما ما يَدْعون في أعراسهم هذه الفرقة لتنشيط إحدى السهرات، ولكن اليوم، لم يعد لهذه الفرقة وجود كبير في المناسبات الخاصة؛ نظرا لتطور الفنون الشعبية في هذه الجهات، ولصعوبة فهم الأغاني التي ترددها “طائفة غبنتن”.

ويقول خليل الجمور قائد إحدى فرق غبنتن: “لنا طابع معين في ترديدنا الأغاني التي نقدمها، ومواضيع هذه الأغاني يتطوّر بحسب تطور الواقع التونسي، ولكن عادة ما يكون أغلب الغناء على النجع، النجع في اللهجة التونسية مجموعة من البدو يسكنون الخيام ويتنقلون من مكان إلى آخر”.

وتابع: “في السابق عندما كان المجلس لا يحضر فيه إلا الأب وكبار السن فقط، كنّا نؤدي أغاني غزلية، ولكن مع التطوّر أصبح الأب والابن في نفس المجلس فبتنا لا نغني هذا النوع، نظرا لطبيعة البيئة المحافظة التي نعيش فيها”.

من جهته، يعتبر الكاتب محمد الجويلي، أن بعض أغاني غبنتن عبارة عن “نشرة إخبارية تحليلية في شكل غنائي، ويستمد هؤلاء الشعراء المعلومة من تتبعهم للنشرات، فالشاعر يحول الخبر إلى قصيدة ثم إلى أغنية”.

ويمكن أن تجد في شعر غبنتن، المدحي، كما تجد الهجائي.

ومع التطوّر الحاصل على العديد من المجالات، يحاول أعضاء فرقة غبنتن، المحافظة على تراثهم بتعليم أبنائهم رقاصاتهم وقصائدهم، ولكن عدد كبير من الشباب أصبح يعزف عن هذا، ويركز أكثر في الدراسة، وتدبير قوت يومه.

وإضافة إلى هذا يقول المشرفون على الفرقة إن الحكومة لم تدعمهم بالقدر الكافي للمحافظة على هذا التراث.

وفي هذا السياف، يقول الحبيب التومي: “على الدولة دعمنا لكي نحافظ على هذا التراث، فنحن أصحاب الفضل الكبير في الحفاظ عليه، فلماذا لا نشارك مثلا في مهرجان دولية خارج البلاد، مثلما تشارك فرق تونسية في مناطق أخرى”.

من جهته دعا المندوب الجهوي للثقافة في محافظة مدنين فوزي عبداللطيف، فرقة غبنتن، إلى القيام بإنشاء جمعية أو إيجاد أي هيكل قانوني واضح؛ من أجل الحصول على الدعم اللازم .

وقال “إذا انتفى الدعم غاب معه التراث، لذلك فإننا ندعم مثل هذه الجمعيات المعتنية بالمحافظة عليه”.

وأوضح عبداللطيف للأناضول “المندوبية دائما ما كانت تدعم هذه الفرقة، ومعظم التظاهرات الثقافية الخاصة بالتراث في الجهة يشاركون فيها”.

وتابع: “إذا أرادوا الخروج لتمثيل تونس بالمشاركة في تظاهرات ثقافية عالمية عليهم التواصل مع المندوبية، ولكن يجب عليهم أولا تأطير عملهم لأننا وصلنا اليوم إلى مرحلة يجب فيها دعم الفرق في إطار القانون”.

 

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى