معرض «بلا تهذيب» في الإسكندرية يدين عمارة مشوّهة تستهدف المدينة

سامر سليمان

بين الجدران المرتفعة والكتل المتنافرة، تطل مدينة مبهمة تبرز بتناقضاتها في كل اتجاه. ويرى طلاب كلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية الذين يشاركون في معرض «بلا تهذيب» الذي افتتح أخيراً في محترف الإسكندرية أن المدينة التي كانت كوزموبوليتانية، جُرِدَت من ردائها بسبب الممارسات البشرية القبيحة والصراعات المادية القاسية واختفاء النسق الأخلاقي الحاكم لقيم الجمال والتراث، حيث الحياة في ظل الفوضى والعبثية الصارخة حوَّلت العلاقة بين الإنسان والمدينة من علاقة تكاملية جمالية إلى علاقة صراع أفقدت المدينة الكثير من معالمها الرئيسة الأثرية وأنساقها العمرانية المتعددة.
يأتي المعرض ضمن الدورة السابعة من «أيام التراث السكندري» التي ينظمها مركز الدراسات السكندرية بالتعاون مع مؤسسات ثقافية. وتتضمن الدورة برنامجاً متنوعاً من الزيارات والمحاضرات والعروض والمعارض في أهم معالم الإسكندرية الأثرية والحضارية، منها مكتبة الإسكندرية ومتحف الإسكندرية القومي والمعهد الفرنسي في الإسكندرية.

تقول الأستاذة المساعدة في كلية الفنون الجميلة ومنسقة المعرض سحر ضرغام لـ «الحياة»: «لفتتنا كثيراً الحال التي وصلت إليها المدينة التي أُنهِكَت فيها الكتل المعمارية الجمالية من دون أن تجد من يمد لها يد العون أو الترميم أو حتى الإصلاح». تنوَّعت الأعمال الفنية المشاركة في المعرض ما بين أعمال صوتية ومركبة وفيديو و «إنستيلاشان» وأخرى «ديجيتال» وبعض الرسوم التمهيدية لإنجاز فيلم كرتوني أو فوتوغرافي مبنية على أسس معتمدة على حركة واحدة مستمرة وما يجمعها أنها تناصر التراث. تؤكد ضرغام أهمية التجرية التي شارك فيها شباب قدموا أعمالاً واضحة الثراء الفني والأدبي في عوالم مبنية بصور فوتوغرافية وأصوات وكتل فنية ونصوص خطيَة.
وتقول بسنت زهران المشاركة في المعرض: «للأسف وجدنا مباني الإسكندرية اليونانية والرومانية التي تمثل السمة المميزة للمدينة وروحها الحقيقية تتعرض لعملية هدم ممنهجة بعد إخراجها من قائمة التراث، والمؤسف أنه عندما يبنى مبنى جديد يكون بلا روح ولا طابع جمالي، ومن ثم عكسنا ذلك في أعمالنا الفنية، فروح المدينة مع الهدم تذهب بقسوة والمكان يفقد رونقه وسماته. أطلقنا على العمل «تشويه جسد وذهاب روح». أما إسراء الجمل فتقول: «لطالما شدتني المدينة وشوارعها ولكن أخيراً أصبحنا نجد في الشارع الجميل مبنى قبيحاً لا علاقة له بالمحيط».
قدمت الشابتان عملاً مركباً هو عبارة عن جسد امرأة نصفه الأعلى عارٍ وملقى على الأرض، ويداها المبتورتان علّقتا بقسوة على حائط قبيح متساقطة دهاناته. وتقول رانيا التي قدّمت لوحات ورقية متهالكة مكتوبة بأحرف عربية تشكل جملاً غير مفهومة: «استفزني موضوع اللامدنية، وما قدمته هو المدينة المتهالكة التي أجهز عليها الجميع بمنتهى القسوة».
وعن المعرض، يقول الدكتور محمد هلال عميد كلية الفنون الجميلة: «لم نتوقع جرأة الطلاب في التعامل مع الخامات»، لافتاً إلى أن عدم وجود خبرات سابقة في الفن المعاصر أعطى التجربة زخماً تلقائياً، وأظهر تعاملهم الجاد مع مدينتهم شعورهم بمسؤولية الحفاظ عليها كمدينة حضارية قديمة تموج بالجمال والتفرد». وأضاف: «هذه التجربة لا تقل عما شاهدته في متحف الفن المعاصر في فرنسا، وإحساس الفنانين بالحيز وتعاملهم مع الكتل أبرز أفكارهم بطريقة ناجحة، وهم في ذلك لا يقلون عن أقرانهم من طلاب كليات الفنون في فرنسا على رغم أنهم لم يدرسوا الفن المعاصر أكاديمياً».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى