نبيل أبو حمد صاعق في تهكمه مبدع في التفكيك والتركيب

زهرة مرعي

هم أهل سياسة لبنانيون جلهم رحل من دنيانا، وآخرون لا يزالون متمسكين بالمناصب متحكمين بالقرار، وباتوا هالة تشي بمزيد من اغتراب بينهم وبين الناس. وجوه رسمها نبيل أبو حمد على مدى مراحل متعددة، فككها، وأعاد تركيبها بذهنية تهكمية كاريكاتيرية تعطي للملامح الناتئة فيها أبعاداً مضاعفة وقد تكون صاعقة. استحضر معظم السياسيين اللبنانيين وكأنه يشير إلى مكامن خلل قديم في التركيبة اللبنانية.
رسم فنانين منهم صباح، وديع الصافي، زياد الرحباني شاباً. ورسم فيروز بتقاسيم عينين وأنف هندسي مخالف لحنان صوتها، فهل هو ثأر قديم؟ رسم بالأسود وبالزيت. وبالكولاج ميز وجوهاً وأمضى معها الساعات، وأخرى عاقرها مسرعاً. التفاوت بأسعار اللوحات مريب، ويبدأ من 600 إلى 5000 دولار فهل الوجوه مراتب؟
معرض نبيل أبو حمد يحمل عنوان «فنان في الصحافة» استقبلته كاليري S. V في الصيفي وسط بيروت حيث قرر عرض بعض من الوجوه التي رسمها منذ الثمانينيات، حيث كان يشغل منصب المدير الفني لمجلة «الحوادث»، وفيها كانت له صفحة تحمل عنوان «ريشة نبيل أبو حمد» إلى جانب رسمه للغلاف أحياناً. من الأغلفة يذكر رسم الرئيس الراحل حافظ الأسد ويقول: كان عنوان الغلاف «لماذا يكذب النظام؟» حدث ذلك سنة 1980 فارتفع بدل عدد المجلة في السوق السوداء إلى خمسين ليرة لبنانية. فالرسم تميز بالتحطيم الفني للوجه. وفي الداخل كنا نختار وجه الأسبوع. يقول أبو حمد بأن تقنية الـ»رابيدوغراف» تشبه الخياطة، وغالباً ما طبعت رسوماته منها صورة رشيد كرامي وسليمان فرنجية. الرسم بهذا الأسلوب يستغرق وقتاً يصفه ابو حمد بالتأمل والاسترخاء النفسي والجسدي.
بتشجيع من وزير الداخلية اللبناني «الزميل» نهاد المشنوق قرر أبو حمد أن يكون له معرض وجوه لبنانية تشكل نوعاً من النوستالجيا، وتم الاتفاق على رعاية المشنوق للمعرض. في الإعداد وجد من قديمه 26 وجهاً، وكان لا بد من المزيد. جديده بالأكريليك منه وجهان للشهيد رفيق الحريري، بيار وأمين الجميل. أما بشارة الخوري فميزه بالكولاج. نبيل أبو حمد متأثر بماتيس في مراحل عمره الأخيرة حيث دأب على الكولاج عبر الورق. وجه غسان التويني خصه باللونين الأسود والأبيض وألبسه شعراً من الصحف، ولم يبخل عليه بحاجبين تفيض منهما الحروف. رياض الصلح من جديده أيضاً حتى الطربوش الأحمر حظي بالكولاج. مع بشارة الخوري، رياض الصلح، عادل عسيران ومجيد أرسلان قد يكتمل عصر النوستالجيا اللبناني ومرحلة الاستقلال. رسم زياد الرحباني بتقنية «أيربراش» أو «البخ» حين كان «مجنونا في مسرحية فيلم أمريكي طويل». لماذا هشمت فيروز؟ «ماشي معليش» جواب يكتفي به أبو حمد. لكنه يختصر تقنية الوجوه «هو شكل يمكن اللعب به كما نلعب بالكرسي أو التفاحة».
تعامل أبو حمد مع العديد من التقنيات بحرفية وحب لكنه يصرّح عن غرامه بالتنقيط. أكثر سهولة بالقياس للبخ الذي يحتم التلف في حال الاتساخ. يفرح أبو حمد بعمله، ينجز الشكل الأساس للوجه، ويتبحر على مهل بالتظليل والتنقيط وبالألوان. وجوه يرغب برسمها وبتأملها، كما كمال جنبلاط والرئيس الحريري. وبعض الوجوه توحي بالأبعاد الثلاثية. من وجوه السياسيين إلى وجهي صباح وفيلمون وهبه، معهما يضحك الوطن من سياسيين حولهم كتل من علامات الاستفهام.
رسم سياسيين من الجنوب نزيه البزري وجان عزيز، فعمل أبو حمد صحافيا يؤرخ الحدث لاسيما الوفاة. وفي تفسيره لتفاوت كبير في الأسعار توقف عند الزمن الفعلي الذي يمضيه مع كل وجه، والذي تحتمه التقنية المعتمدة. كذلك راعى الواقع المالي اللبناني «المأزوم». بشير الجميل رسمه بالزيت على كانفاس وسعره خمسة آلاف «كان غلافاً لـ»الحوادث» وللرسم قيمته الاعتبارية. لست مع الصلة العربية العامة بالمادة الصحافية وبأنها ستؤول للرمي، بل هي تدخل التاريخ. وبعد سنوات يصبح لهذا العمل الصحافي قيمته الموازية لأي عمل كلاسيكي فني». أما الأكريليك فسريع الإنجاز بالنسبة للمتمرس.
وهو يصف مرحلة ما بعد القرار برسم وجه ما، إنه البدء بمرحلة التفكيك والتهديم وإعادة البناء والتركيب. حينها يجب منح الوجه ما يعادل البورتريه في الفن الكلاسيكي، لكن هذا يأتي بعد تصفح معمق للعديد من بورتريهات الشخصية. بعد تلك المعايشة يمكن الرسم من الذاكرة لأنها تصبح مرجعية. من يقتني رسوم السياسيين ويعرضها في منزله؟ ربما هم المغرمون بقوة. يسمي المشترين لبعض الوجوه ونعرف منهم المستفيد والمنتفع من النفوذ. أما راعي المعرض الوزير نهاد المشنوق فرغب بوجه تقي الدين الصلح من الراحلين، وبوجه سلفه في وزارة الداخلية ميشال المر. الرسمان معاً بتشويه الأنف بفعل العقل الكاريكاتيري.
تمكن أبو حمد من التوفيق بين الواجب المهني في الرسم واللذة الذاتية بمعايشة هذا الفن. ويفسر: أشعر بالنجاح كلما تمكنت من اللعب بتقاسيم أي وجه أكون حيال واجب رسمه. أتلذذ بإعادة تكوين هذا الإنسان، ويبقى للتكنيك المستعمل في الرسم متعته الخاصة.
لأبو حمد جانب تشكيلي مزدهر من ريشته وآخر معارضه كان قبل سنة مضت وفي بيروت، خصصه للركام العربي المتنامي بقوة منذ سنوات والمنتشر شرقاً وغرباً.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى