ناجي أبو نوار: اعتبروني مجنوناً لأنهم لم يسمعوا بالسينما

نبيل مسعد

أنجز المخرج الأردني الشاب ناجي أبو نوار فيلمه الروائي الطويل الأول بعنوان «ذيب» الذي سرعان ما نال الترشيح كأفضل فيلم أجنبي لجوائز الأوسكار الأميركية للعام 2016، إضافة الى تقديمه في مهرجانات «كان» (قسم «كان جونيور») وتورونتو والبندقية (فينيسيا) للعام الحالي.
تدور أحداث الفيلم في العام 1916، أثناء الاحتلال البريطاني لشبه الجزيرة العربية حيث يقرر ذيب البالغ من العمر 10 سنوات متابعة أخيه الأكبر حسين الذي وافق على مرافقة جندي بريطاني في البحث عن بئر على طريق القبلة. ويقع الجميع في فخ نصبته قبيلة من البدو فلا يبقى على قيد الحياة سوى ذيب وبدوي جريح. ويضطر الثنائي إلى تعلم كيفية العيش معاً للبقاء على قيد الحياة.

يتميز الفيلم بإخراج فذ بالنسبة الى عمل هو الأول في مسيرة مخرجه، إضافة الى تصويره الرائع الذي أشرف عليه مدير التصوير النمسوي فولفغانغ ثالر المعتاد على العمل مع ألمع السينمائيين في العالم. أما دور الصبي ذيب فيؤديه في شكل مدهش الطفل جاسر عيد.
زار ناجي أبو نوار باريس للترويج للفيلم فالتقته «الحياة» في هذا الحوار.
> يتميز الفيلم بمناظر طبيعية صحراوية في منتهى الجمال، فأين تم تصويره بالتحديد؟
– صورنا «ذيب» في ثلاث مناطق صحراوية في الأردن هي وادي روم ووادي عربة ودبعة على بعد 70 كيلومتراً من عمان. وإضافة إلى كونها كلها من المناطق المعروفة بجمالها، فإني لجأت إلى مدير تصوير يعتبر من الأهم في العالم حالياً ويشتهر بمدى تأقلمه مع الأوضاع المناخية الصعبة، مثلما كانت الحال بالنسبة إلينا.
> ما الذي دفعك إلى اختيار مثل هذه القصة لفيلمك الروائي الطويل الأول؟ وهل كنت على دراية بالصعاب التي يعنيها التصوير في الصحراء؟
– عشت طفولتي وأنا أسمع الحكايات والقصص الخاصة بالبدو، إضافة إلى كون والدي علمني الشعر البدوي وعودني على سماع الأغنيات النابعة من البيئة البدوية، ما رسّخ الثقافة البدوية في أعماقي. وقد حملت مشروع فيلم «ذيب» في نفسي منذ اليوم الذي قررت فيه ممارسة الإخراج السينمائي.
أما في شأن الصعوبات فكنت أعرف أنها موجودة، لكني أشكر القدر على أني لم أكن على دراية تامة بما كان في انتظارنا في الحقيقة، وإلا ربما كنت تراجعت عن خوض التجربة.
> ما الذي كان في انتظاركم باختصار؟
– عواصف رملية وأمطار غزيرة وإدارة مجموعة من البدو أمام الكاميرا، علماً أنهم لم يسمعوا عن السينما حقيقة من قبل، إلا أنهم، وحتى بعد أن اكتشفوا وجودها، لم يعيروها أي أهمية. ثم العيش في الصحراء في مخيمات لشهور طويلة، وغير ذلك من المشقات التي ظهرت يومياً طوال فترة إقامتي هناك.
> كم بقيت؟
– استغرق التصوير خمسة أسابيع كاملة، لكني شخصياً قضيت سنتين كاملتين هناك قبل بدء العمل للتعرف إلى البدو وعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم والدفع بهم إلى تقبل فكرة حضور فريق سينمائي فوق أرضهم وتصويرهم والاستعانة بهم كممثلين في الفيلم، من دون الإساءة إلى هويتهم أو إلى سمعتهم في أي شكل من الأشكال. وقد أتت كل هذه الأمور في شكل تدريجي، ومن حسن حظي أن التقاليد البدوية تفرض حسن استقبال الضيف الأجنبي والامتناع عن توجيه أسئلة له أو التدخل في شؤونه الشخصية مهما كان الأمر. كانوا ينظرون إليّ في بادئ الأمر بطريقة غريبة أعتقد بأنها تعكس اعتقادهم بأني مجنون، لكن الأشياء تحسنت فيما بعد وصرنا مثل عائلة واحدة، فهم تبنونا أنا وفريق العمل.
> حدثنا عن الصبي جاسر عيد الذي يؤدي دور ذيب في الفيلم؟
– كنت أبحث عن الصبي الذي كان سيدهشني ويتقمص شخصية ذيب مثلما تخيلتها، وكنت على دراية تامة بأن المسألة هذه لا بد لها وأن تعقّد لي حياتي، خصوصاً أني لم أرغب في إحضار أي ممثل من خارج المنطقة لا ينتمي إلى البدو.

شخص كسول
> باستثناء ذاك الذي يؤدي دور البريطاني الذي يفتش عن البئر؟
– نعم فهو الممثل المحترف الوحيد في المجموعة وقد جاء من لندن. وللعودة إلى حكاية الصبي، رحت أوصي مرشدنا البدوي بالتفتيش عن صبي في المنطقة يهوى التقليد مثلاً والتحدث بصوت مرتفع ويتميز بشخصية متفتحة تجاه الغير ولا يتصف بالخجل. ولم أعلم حينذاك أني كنت أتوجه بكلامي إلى شخص كسول لم يُتعب نفسه بفعل أي شيء واكتفى بإحضار ابنه ليعرّفني عليه، مدعياً أنه يتمتع بكل الصفات المطلوبة. ووجدت نفسي أمام صبي في الحادية عشرة من عمره لا يفتح فمه ويكتفي بالتحديق إلينا جميعاً كأنه في حديقة حيوانات. فشعرت باليأس، خصوصاً أن المرشد أصر على كونه أحضر لنا أذكى طفل في القبيلة.
ومع مرور الأيام، التزمت الحكمة في تصرفاتي وتبنيت الصبي بطريقة ما وبنيت معه علاقة ساعدته على الانفتاح تجاهي وإدراك ما المطلوب منه. وأعترف لك بأني سرعان ما تأكدت من كون جاسر عيد هذا هو ذيب بعينه، ولم أعرف فيما بعد إذا كان جاسر هو فعلاً أذكى صبي في القبيلة، لكنه كان الطفل الذي أبحث عنه للدور.
> كيف كنت تديره أمام الكاميرا؟
– فعلت معه ما فعلته مع سائر البدو، بمعنى أني فسرت له حكاية الفيلم وأبعاد شخصيته السينمائية وتركته يرتجل مرة ومرتين ومرات عدة، إلى حين اقتناعي بأني صورت اللقطة المرغوب فيها. وكنت أتركه فيما بعد يلعب ويعود إلى منزله ويتردد على المدرسة. وكنت أهيئ جدول التصوير في شكل يلائم جدول أعماله هو، ذلك أنه كان بطل فيلمي.
> ألم يشكّل جاسر عيد أي صعوبات أبداً؟
– شكّل بعض الصعوبات بالفعل حينما بدأ يدرك أبعاد مهنة التمثيل ويربطها بالنجومية، فكان يتصرف مثل النجم الهوليوودي ويفرض علينا نزواته. كنت أتركه يتسلى هكذا بعض الوقت، قبل أن أعيده إلى الواقع وأدخله إلى الصف من جديد. لكنه في شكل عام لم يسبب أي مشاكل جديرة بالذكر حاله حال جميع البدو الذين أدوا الأدوار المختلفة.

حدث استثنائي
> هل شاهد جاسر عيد وسائر البدو الفيلم؟
– حضروا جميعاً إلى البندقية (فينيسيا) من أجل تقديم الفيلم في المهرجان ونالوا تصفيق الجمهور وهتافه لمدة 20 دقيقة متواصلة، وأعترف شخصياً بأني عشت في هذه المناسبة أجمل لحظات حياتي المهنية، ولا أعني حتى الآن بل في شكل عام وكلي، كوني أعرف أني مهما حققت من نجاح في المستقبل ستبقى لحظات وقوف المتفرجين في قاعة العرض وتصفيقهم وهتافاتهم، مثلما صار، بمثابة الحدث الاستثنائي في حياتي.
> وهل فتح الفيلم شهية جاسر عيد على مهنة التمثيل؟
– عثر على وكيل أعمال وبدأ العمل في تصوير فيلم آخر.
> ومن هم الذين فتحوا شهيتك أنت على اختيار الإخراج السينمائي؟
– عمالقة المهنة، لكن أولاً وفي شكل أساسي جداً الياباني أكيرا كوروساوا.
> ماذا سيحدث للصبي ذيب بعد انتهاء ما نشاهده في الفيلم؟
– أنوي إخراج تكملة للفيلم، وبالتالي لا أستطيع البوح بشيء الآن.
> ستصور إذاً «ذيب 2»؟
– نعم، ولكن قبل ذلك سأنجز فيلماً عن دور الأم في الحياة البدوية.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى