الارتزاق بالكتابة

شوقي بغدادي

حين يسمّي أحد الكتّاب الحاكمَ الطاغية بطلاً وطنياً ونظام حكمه نظاماً ضرورياً لضمان الاستقرار والأمن. وعندما يستلّ ذلك الكاتب قلمه كالبندقية الرشاشة كي يطلق النار على عناصر المعارضة مستعدياً السلطات عليهم متهماً إياهم بالعمالة للأجنبي دون قناعة حقيقية، حين نقرأ كتابات من هذا النوع فماذا نسميها؟
أقول هذا بسبب كثرة ما قرأت وأقرأ من سجالات بين أطراف متنازعة من الكتّاب هنا وهناك حول ما ينزل بالوطن العربي من أهوال، وبين هؤلاء كتّاب لا شبهة تطال سمعتهم، ولا شك في رفعة مستواهم الفكري كيف نميز بين الكاتب النفعيّ المرتزق والكاتب المبدئيّ المخلص؟ ومن هم باختصار الكتّاب المرتزقة، أو متى تكون الكتابة مدانةً فعلاً بجُرمْ النفاق والاحتيال والتزوير؟
يبدو من الصعب في مجال الكتابة التمييز بين الكتابة المبدئية والأخرى المرتزقة، ولهذا لا بد من استخدام معايير معينة في محاكمة هذه الكتابات المشبوهة، وصولاً إلى فرزٍ سليم لها دون أن نظلم أحداً من أصحابها وهي معايير كثيرة معقدة نختصرها في ما يلي:
أولا: افتراض حسن النيّة لدى الكاتب حتى يثبت عكس ذلك، من خلال إخضاع الكاتب للاختبار على جهاز اكتشاف الكذب، وهو جهاز معمول به في معظم بلدان العالم المتقدم بعد التأكد من أنه كاتب غير مدعوم من جهةٍ تساعده على اجتياز الإختبار بنجاح.
ثانيا: فحص حالة الكاتب المادية من أن رصيده المالي في المصارف المحلية والأجنبية على وجه التخصيص ناجم عن إرث عائلي أو جائزة كبرى في اليانصيب أو استثمارات قانونية رابحة بالحلال، للتأكد من أنها أموال نظيفة.
ثالثا: اختبار قدرات الكاتب اللغوية والفكرية في امتحان خاص بمستوى البكالوريا على الأقل.
رابعا: مطالبة الكاتب بتقديم وثائق سليمة مثبت صحّة كلامه بالوقائع والأرقام التي يذكرها.
وغيرها من الاختبارات والمعايير فإذا لم يتح لنا تطبيقها على الكاتب فمن الممكن الاكتفاء بإجراء مختص آخر وهو مطالبته بأن يقسم بأنه صادق، على الكتاب المقدّس الذي يؤمن به، فإذا لم يكن مؤمناً بأي كتاب مقدس فليقسم بشرفه، وإذا لم يكن له شرف يُعتدّ به فلا حلّ للمشكلة إلا بالامتناع عن قراءة الصحف المحلية ومشاهدة وسماع نشرات الأخبار المرئية والمسموعة لأمد يجب ألاّ يقلّ عن أسبوعين حتى يرتاح دماغنا من كوابيس الأكاذيب، ولكي يستردّ الواحد منا صفاء ذهنه كي يستطيع الحكم على الكاتب المرتزق بأنه مرتزق بالفعل، وإلا فإن مصيرنا آيل إلى أن نرضى بالواقع مهما كان وننتقل بالتالي درجةً درجة نحو الاقتناع بالكاتب أياً كانت كتاباته والدفاع عنه كي نغدو بدورنا مشبوهين أننا من المرتزقة دون أن ندري.
نقول كل هذا لأن ذلك الالتباس قد حصل فعلاً مع أحد الكتّاب، إذا رضي أن يخضع لجميع التحقيقات الواجب إجراؤها بشأنه في بلدٍ محايد ونجح فيها جميعاً، مع أن جميع الذين يعرفونه جيداً أكدوا أن ثروته متواضعة من زمان مع أن أرصدته المالية في عدد المصارف المحلية والأجنبية تؤكد عكس ذلك، وعلى الرغم من أن هذا الكاتب مشكوك ـ كما هو معروف عنه ـ بصدقه في أحاديثه المتنوعة، كما أنه أقسم على القرآن والإنجيل والتوراة بأنه رجل شريف من دون أن يرف له جفن، فما العمل إذن لاكتشاف حقيقة مثل هذا الكاتب وقد تكاثر أمثاله، كما يبدو حتى صار الواحد منّا يشك بنفسه، أم أن الكذب والصدق قد تساويا في هذا الزمان العجيب؟

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى