عن القصيدة والحشد.. شهادة مشارك في ‘ملتقى القاهرة الدولي للشعر’

شريف الشافعي

شهدت مصر انعقاد “ملتقى القاهرة الدولي الرابع للشعر” (27 – 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016)، تحت شعار “ضرورة الشعر”، وحملت الدورة اسمي الشاعرين: محمود حسن إسماعيل، ومحمد عفيفى مطر، وفاز بجائزتها (100 ألف جنيه مصري) الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة.

تضمن الملتقى، الذي افتتحه حلمي النمنم وزير الثقافة وأقامه المجلس الأعلى للثقافة وأشرفت عليه لجنة الشعر برئاسة الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب، العديد من الأمسيات الشعرية، والجلسات النقدية، بمشاركة شعراء وأكاديميين من مصر و13 دولة عربية.

وقد سبقت افتتاح الملتقى، بساعات قليلة، اعتذارات من بعض المشاركين، ومنهم: اللبناني عباس بيضون، والبحريني قاسم حداد، والمصريون أمجد ريان، جمال القصاص، عاطف عبدالعزيز. وتنوعت أسباب الاعتذار ما بين: رفض ما تردد عن منح جائزة الملتقى لشاعر مصري بعينه، ولأسباب صحية، وللاعتراض على عدم تمثيل “القصيدة الجديدة” بالقدر المأمول.

ولربما تبدو هذه السطور القليلة المقبلة، بمثابة شهادة موجزة من مُشاركٍ في الملتقى عن حيثيات مشاركته، لا أكثر، إذ تباينت مواقف وردود أفعال كتّاب القصيدة الجديدة (قصيدة النثر على وجه الخصوص)، المدرجين في البرنامج الرسمي للملتقى، لحظة انطلاقه، ما بين منسحبين جدد، تضامنًا مع المعتذرين، وما بين مستمرين في الفعاليات.

وثمة مقدمة، لا تخلو من ذاتية أمقتها، لكنها شر لا بد منه في هذا السياق، وهي أنني شاركت في عشرات المهرجانات الشعرية الدولية، بمصر وخارجها، منها مهرجان لوديف بفرنسا، وبريدج ووتر بالولايات المتحدة الأميركية، وملتقى آسفي للشعر بالمغرب، ومهرجان مراكش الدولي، والملتقى المتوسطي بالمغرب، ومهرجان الشعر العربي بلبنان، ومؤتمر قصيدة النثر الدولي بالقاهرة، ومهرجان طنطا الدولي للشعر، وغيرها، وكلها مؤتمرات جرى تنظيمها وترشحت للمشاركة فيها خارج إطار المؤسسة الرسمية المصرية، التي لا أتذكر أنني شاركت في فعاليات تخصها على مدار حوالي 25 عامًا، إلا في معرض القاهرة الدولي للكتاب مرتين فقط، وأخيرًا شاركت في “ملتقى القاهرة الدولي الرابع للشعر” (27-30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016).

من هذا المنطلق، فإن مشاركاتي في محافل الشعر الدولية، داخل مصر وخارجها، تنبني فقط لا غير على معطيات فنية بحتة، وقناعات حرة، لا علاقة لها بأي ولاءات مسبقة لأي كيانات بعينها، أو جماعات ضغط مزعومة، أو شلل تحكمها التنميطات والمجايلات والمصالح المتبادلة، أو سلطات ثقافية عديمة الجدوى، أو انتفاعات إدارية ضيقة، مما قد يتهافت ويتكالب عليها الصغار أو غير المتحققين.

تلقيت دعوة من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة للمشاركة في “ملتقى القاهرة الدولي الرابع للشعر”، وقبل إعلاني القبول النهائي أو الرفض، تحريت عن كل التفاصيل، عبر إيميلات متبادلة مع الجهة المنظمة استمرت لأكثر من شهر، وفي اللحظة التي اطلعت فيها على البرنامج النهائي للملتقى، قبل انطلاقه بحوالي عشرة أيام، أخطرتُ الجهة المنظمة بموافقتي “النهائية” على المشاركة، وهي اللحظة ذاتها التي أبلغ فيها جميع الشعراء اللجنة بموافقتهم “النهائية”، بشكل مكتوب، ومن ثم تم طبع البرنامج، ونشره بواسطة الجهة المنظمة، مشتملًا على أسماء جميع الشعراء، ومنهم هؤلاء الذين اعتذروا ليلة الافتتاح، ومر أكثر من أسبوع بعد نشر البرنامج دون أن يعلن أي شاعر اعتراضه على شيء، ولا انسحابه، حتى ما قبل الافتتاح بيوم واحد، حيث تكرر أكثر من اعتذار، لأسباب مختلفة.

لن أتعرض هنا لما يخص تلك الاعتذارات، فالمعتذرون أجدر بالحديث عن أنفسهم، وليس لي أن أقيم مواقفهم أصلاً، فهي حق أصيل لهم، وأغلبيتهم شعراء كبار، ومن المؤكد أن لهم موقفهم المعتبر، أو مواقفهم بتعبير أدق. ما يعنيني هنا، هو توضيح عدة أمور تخص الملتقى، ومشاركتي فيه:

أولاً: أن “الوضعية” التي وافقت أثناءها على المشاركة، كانت تعكس أن عشرات الشعراء من أنصار الكتابة الجديدة وقصيدة النثر مشاركون، من جيلي وأجيال أسبق وأجيال لاحقة، ومنهم على سبيل المثال: قاسم حداد، عباس بيضون، رفعت سلام، محمد فريد أبو سعدة، أحمد الشهاوي، أمجد ريان، علي منصور، إبراهيم داود، غادة نبيل، جمال القصاص، عاطف عبدالعزيز، فتحي عبدالسميع، ميسون صقر، مؤمن سمير، عماد غزالي، جرجس شكري، هبة عصام، خلود المعلا، عبدالرحمن مقلد، وغيرهم، وهو الحافز الذي شجعني على المشاركة وسط مجتمع لا أستشعر فيه الغربة، كما أن هذه الأسماء، وغيرها، أثبتت انفتاح الجهة المنظمة، وعدم تحيزها للكتابة النمطية.

ثانيًا: أنه حتى ليلة الافتتاح، لم يعتذر أحد من هؤلاء، وحين بدأ بعضهم الاعتذار، بدأت “الوضعية” الأولية للملتقى تتغير أمام عيني، ثم حين تكررت الاعتذارات وزادت على المألوف، إذ بلغت خمسة أو ستة معتذرين في اليوم الأول، بدت صورة الملتقى مختلفة بعض الشيء عن تلك الوضعية الأولى التي أعلنتُ بناء عليها موافقتي على المشاركة.

ثالثًا: مع إعادة النظر إلى صورة الملتقى، ليلة الافتتاح، اتخذت قرارًا نهائيًّا بالمشاركة، وذلك لأن هذا الخلل الجزئي الذي حدث في صورة الملتقى لم يكن بسبب إدارته ولا لجنته العلمية، وإنما بسبب انسحاب الشعراء بمحض إرادتهم. فلو كان الملتقى إقصائيًّا من الأصل، لما دعا إليه هؤلاء الشعراء المجددين، الذين تجاوزا الثلاثين من بين سبعين مشاركًا، ولما كنتُ قبلت المشاركة فيه وسط غير متجانسين معي. كما أن هؤلاء الشعراء لو أنهم اعتذروا قبل إعداد البرنامج، لربما كان لي رأي آخر بعدم المشاركة، إذا حل محلهم في البرنامج شعراء آخرون لا يمثلون الكتابة الجديدة، ومن ثم تصير وقتها الصورة الكلية ميالة إلى التحيز، وهذا لم يحدث.

رابعًا: أن نظرة عابرة، وليست تقييمية، إلى المضمون الغالب على تلك الاعتذارات والبيانات “الملتقى لا يتحمس لقصيدة النثر والقصيدة الجديدة بالقدر الكافي واللائق”، انطوت على أكثر من مفارقة بارزة، وفجاجة تصل بالموضوعي المطروح شكلًا إلى ما هو ذاتي شخصاني صرف، ونرجسية تصم المتقوِّل بها لا المتقوَّل عليه.

فمن ناحية، كيف ينسحب حاضرٌ اعتراضًا على أن قصيدته هو غير حاضرة؟! ومن جهة أخرى: لو أن الشعراء المعتذرين مؤثرون وفاعلون ولهم أغلبية في العدد ووزن ثقيل في المشهد، فما خطيئة اللجنة العلمية إذن التي أدرجتهم بالفعل في البرنامج الرسمي؟ ولو أنهم غير ذلك أو أقل قدرًا وتأثيرًا، فما وزن انسحابهم إذن من الملتقى؟!

ومن جهة ثالثة، بأية صفة وأي يقين (يتنافى بالضرورة مع قناعات قصيدة النثر نفسها!) يمتلك ضيف من الضيوف تقييم تجربة ضيف غيره، مشارك أيضًا، فيخلع عنه صفة أنه شاعر يستحق تمثيل نصه أو أنه شاعر كبير، في بيانات أقرب إلى “الممازحات”، من قبيل “انسحاب الكبار من الملتقى”، فهل على سبيل المثال: محمد فريد أبو سعدة، محمد آدم، رفعت سلام، فتحي عبدالسميع، علي منصور، أحمد فضل شبلول، أحمد الشهاوي، وغيرهم، ليسوا من الكبار؟ وهكذا في المطلق وبألف لام التعريف؟! وهل هناك “وصفة جاهزة” للقصيدة الجديدة، وحراس بوابات لها، و”سلطة مضادة” تديرها ديكتاتوريًّا، وهي في الأصل انفلات من أسر التعليب، وفكاك من حيز الكهنوت؟

بناء على ذلك كله، واحترامًا لتعهدي بالمشاركة أمام الجهة التي لم تخلّ بأي أمر إداري أو فني يخص مشاركتي في المهرجان، شاركت بالفعل في الفعاليات، التي شهدت في المحصلة حضورًا ليس بالهيّن لقصيدة النثر، والقصيدة الجديدة، التي يكفي أن يمثلها، كما في أي مهرجان بالعالم، كيفٌ قديرٌ، لا كمٌّ فقيرٌ، فالأمر ليس بالحشد الشللي، لكن بالفردانية المؤثرة الفاعلة.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى