نمائم في أروقة معرض بيروت العربي الدولي للكتاب

ربيع الاتات

ما الجدوى من إقامة معرض سنوي للكتاب؟ هل أضحى توقيع الكتاب مناسبة اجتماعية فقط؟ هل الإقبال على كتاب معين هو ضمان لجودته؟ هل هنالك إفراط في عــدد الإصدارات، لا سيما الشعرية منها على سبيل المثال؟ كــــم عدد المؤسسات التربوية التي تعلم بوجود أو توقيت المعرض؟
هذه عينة من الأسئلة التي يُهمس بها في كافيتريا وأروقة معرض بيروت العربي الدولي الستين للكتاب، منها اسئلة مستجدة، وأخرى دائمة يمكن أن تنطبق على معرض بيروت أو غيره في العواصم العربية الشقيقة.
أسباب مزمنة ومؤرقة يمكن أن تُفسر عزوف المواطن عن زيارة معرض الكتاب، في ظلّ قلة المبادرات الأهلية والرسمية الرامية إلى حل هذه المعضلة. يتأخر الكتاب أكثر فأكثر عن اللحاق بإيقاع الحياة المتسارع في عصر المعلومات الرقمية، أما اللافت فهو غياب أصحاب الاختصاص من أساتذة جامعيين وباحثين عن دور النشر لمتابعة الإصدارات الجديدة، المستهجن أيضاً هو غياب أصحاب الاختصاص الواحد عن اقتناء كتب نظرائهم، اللهم إلا إذا كان الهدف منه (رد الجميل) على توقيع سابق أو تسليف موقف لتوقيع لاحق. من ما يمكن رصده أيضا في أروقة المعرض أن الشعراء الشباب والروائيين متروكون لقدرهم، فنادرة هي القامات الأدبية التي تتعامل مع الجيل الجديد من منطلق الأبوة بعيداً عن نظرة الريبة، ولولا وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح لعدد من المهتمين غزو تواقيع الشباب متسلحين بهواتفهم لالتقاط الصور لَشَعر الكثير منهم أنه ضمن منطقة حظر تجوال أو في مراسم عزاء.
هواجس
هواجس تسويق الكتاب مشتركة لدى الكاتب والناشر، فبينما تتولى شركات التوزيع في الغرب هذه المهمة على اعتبار الكتاب سلعة تسويقية، بات على الناشر اللبناني أن يقوم بتقييم الكتاب وطبعه والإعلان عنه ولذلك أصبحت المعارض وسيلته التسويقية الأولى إن لم تكن الوحيدة، أما الجيل الجديد فيقوم بتسويق أعماله بنفسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. حين نصل الى تقييم العرض والطلب في المعرض، نلاحظ أننا حين نستفسر من اصحاب دور النشر حول غلاء ثمن الكتب، يقول هؤلاء إن الأسعار مقبولة نظراً للمصاريف الكبيرة التي تواجههم من بدل إيجار الجناح تضاف إليه تكاليف السفر والشحن والإقامة وغير ذلك. أما حين نقارب المعرض من ناحية جودة الاصدارات، يتحسس البعض من كثرتها هذه السنة مقارنة بالسنوات السابقة، وقد يرى فيها نوعا من الاستسهال في الكتابة أو في النشر. أعتقد أن الأمر معقد إلى حدّ ما، فتقييم الكتاب أمر بغاية الصعوبة، وكثيرة هي الكتب التي نالت استحساناً أو رواجاً بعد مدة طويلة من نشرها والعكس صحيح: هنالك كتب شائعة يتلقفها القرّاء وهي متواضعة المحتوى، فلنترك الأمر اذا للقارئ والناقد والوقت لتقييم هذا العمل أو ذاك. سؤال آخر يخطر على بالك اثناء التجوال على أجنحة المعرض: ماذا عن عزوف المكتبات عن عرض الإصدارات الشعرية بالرغم من قيمتها الأدبية والجمالية. مصاعب جمة تعترض التسويق لديوان شعري مما يضطر المؤلف لطباعته على نفقته الخاصة، فما هو مصير الموهوبين ممن لا يمتلكون المال الكافي لمجموعاتهم الشعرية؟
هذه المكتبة السنوية على ضخامتها تزيل فوبيا الدخول إلى المكتبة وتصالح المجتمع مع القراءة . لذلك فإن كل ما من شأنه أن يساهم في إنقاذ الكتاب هو أمر مرحب به في ظل الوضع الكارثي من حيث عدد إقفالات المكتبات والمقاهي ذات الطابع الثقافي، كذلك ندرة الصالونات الأدبية.
الكتاب لم يُصنَع للقراءة على الورق فقط، وإنما ليكون جزءاً من حياة وثقافة الناس يتلمسون فيه يومياتهم.
إن أسباب ضعف هذه الصناعة الورقيَّة كثيرة، وهي ذات مناحٍ سياسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة وفكريّة؛ ولكن هناك ما يمكن معالجته إذا اتخذت السبل العلميَّة المؤسسيَّة فيه خاصةً ما يقع على عاتق دور النشر والهيئات العلميَّة التي لديها إصدارات قيمة؛ تستطيع أن تضمّ إليها متخصصين في التسويق يضعون الخطط التسويقيَّة لكل كتاب جاهزٍ للنشر، والاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام التقليدية. لإضفاء مسحة تفاؤلية عن الانطباعات عن المعرض، يخطر على بالي ما قاله فولتير يوما حين سئل عن من سيقود الجنس البشري في المستقبل فأجابهم بأنهم حتما أولئك الذين يجيدون القراءة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى