«في يوم» فيلم مُشوّش كحال المجتمع المصري

محمد عبد الرحيم

ترى هل من الممكن أن نجمع ما يؤرق المجتمع المصري بأفراده في عمل فني؟ حالة التدني في كل شيء أصبحت هي المعيار الأساس، اقتصادياً وأخلاقياً. هذا السلوك المشوّه، والسلطة القمعية التي أصبحت تسيطر على الجميع. فكرة القمع هذه هي أساس فيلم «في يوم» المعروض حالياً في سينما زاوية في القاهرة. إلا أن الانطلاق من هذه الفكرة، ومحاولة استعراض كافة صور القمع والمهانة والإذلال ليس بالضرورة أن تنتج عملاً فنياً على مستوى الفكرة نفسها، بل أنتجت عملاً شديد التشوّش والمباشرة والتكلف الفني. بداية من الشخصيات التي أصبحت تعبّر عن أفكار وحالات لم ترق إلى الشخصيات الدرامية، اللهم إلا دُمى تتقافز على الشاشة، إضافة إلى الإيقاع وحالة الملل التي يورّثها للمُشاهد. وسنحاول استعراض بعــــض هــــذه النقـــاط في الفيلم. الفيلم أداء.. علي قنديل، نادية إميل، وفيق أبو السعود، لانا مشتاق، مصطفى درويش، نورا سعفان، رأفت البيومي وفاطمة كمال. تصوير هابي خليل، هندسة مناظر زياد فيروز وشيماء فاروق، موسيقى خالد الكمار، سيناريو وحوار شادي عاطف وسامح خيري، تأليــف وإخراج كريم شعبان.

شخصيات لم تزل تبحث عن مؤلف

والدة شاب من مُشجعي كرة القدم أصبح من ضحايا مذبحة استاد بور سعيد، شاب لا يجد عملاً ويحاول السفر بطريقة غير شرعية، فتاة تتعرض للتحرش الجنسي، طبيبة شابة تتأزم من حال النظام العلاجي، رجل تتم إهانته أمام زوجته وطفله الصغير من قِبل ضابط شرطة، عجوز في المعاش تأكله الوحدة. هذه هي الشخصيات الرئيسة في الفيلم، إضافة إلى شخصية تفوقهم ترميزاً وهو حارس مقبرة، وما بين شرح حالة وحيوات الشخصيات يأتي المشهد المتكرر وكأنه ضابط لإيقاع العمل، فالجميع في أرديتهم السوداء، يحملون نعشاً، وكأنهم أموات، في الطريق إلى مصيرهم المحتوم. تبدو المشكلة الكبرى في محاولة نسج الحالات المختلفة من التردي في مصر، من خلال تجسيد هؤلاء، فابتعدوا عن كونهم شخصيات حقيقية، فقط تجسيداً لحالات وأفكار، ناهيك عن المباشرة والمبالغة في الأداء التمثيلي، وكأنهم على خشبة مسرح، وكل منهم يقوم بعمل مسرحي صامت من قبيل المونودراما. نعم الجميع يُعاني في يومه، بداية من استيقاظه وحتى نومه مهموماً، فلا مستقبل ولا بادرة أمل تلوح أمامه، ورغم الاجتهاد في محاولة الحكي، إلا أن حالة التجريد القصوى لم تجعل مما عُرض على الشاشة عملاً سينمائياً.

حياة الشخصيات

عن طريق الحوار الداخلي والتذكّر يأتي التعرف على الشخصيات وعالمها، ما حدث وما هو المأزق الذي تعانيه كل شخصية، فتاة أصابتها صدمة نفسية نتيجة التحرش بها، ومحاولة أمها وبالتالي المجتمع أن تجعلها تتقبل الأمر في بساطة، وهي الآن حبيسة حجرتها، تستلقي وتتحرك في ما يشبه الرقص الإيقاعي. أما حالة والدة شهيد مذبحة الكرة، فهي الأكثر مباشرة، الشاب الثوري، العلم المصري في الخلفية بحجرته، الأم تجلس تستعيد صوته وهو يريد الذهاب وحضور المباراة، ترتب ملابسه، وهكذا من اللقطات والمفردات الحكائية المعروفة والمتوقعة سلفاً، والشاب المهاجر بحثاً عن الرزق، يعمل نقاشاً، ويتوه في الصحراء، والعبارات المعهودة من قبيل «أمه باعت حِتتين الصِيغة». ولنا أن نتوقع حالة الرجل المُحال إلى المعاش، والوحيد في بيته، سيتحرك في بُطء، يقوم بعمل الشاي، يقرأ الجريدة في الشرفة، ويتطلع إلى تصاوير الأبناء وهم أطفال. بما الحالة الوحيدة التي يمكن أن يصبح الصمت نابعاً من جرّاء الفعل، ودونما افتعال، هي حالة الرجل المُهان من الضابط وقد صفعه أمام زوجته وطفله، سبباً منطقياً يجعله يقود سيارته في صمت، ولا يستطيع النظر إلى امرأته. بخلاف ذلك فالافتعال والمبالغة ومباشرة المقاطع الصوتية تعد السمة الأولى للعمل.
لكل عمل فني إيقاعه، هذا الإيقاع الذي يبدأ من نص السيناريو، وهناك فارق شاسع ما بين الإيقاع التأملي والملل، والموضوع يفرض إيقاعه بالطبع، ولنا أن نكتشف من خلاله الحقيقي فنياً والزائف المُفتعَل. فلا موضوع فيلم «في يوم» يحتمل مثل هذا الإيقاع، وما البحث عن حالة من التفلسف المتهافت من خلال تكوين الصورة وحركة الكاميرا، أو ثبات اللقطة زمناً طويلاً ستخلق فيلماً تأملياً، أو حالة سينمائية مدهشة مثلاً، أو خارجة عن المألوف السائد.
مشكلة فترات الصمت الطويل، والكوادر الثابتة هي آفة يعرفها جميع مَن يُتابع مشروعات الطلبة من خريجي معهد السينما، والمعاهد الفنية الأخرى الآن. وربما يتخلص بعض الطلبة من هذه الآفة في القليل من مشروعات التخرّج. فهو يريد تطبيق ما لفته طوال الدراسة من أعمال مهمة لمخرجين كبار، سواء كان موضوعه يتحمّل هذه التقنية أم لا، إضافة إلى سمة الرفض للسائد، كذلك توهم أنه يأتي بالجديد والعجيب الذي لم يدر بخلد أحد. شكل من أشكال المراهقة الفنية سيقوم الزمن بتقويمها في ما بعد. هذا ما يجعل مثل هذه الأعمال يطلق عليها اصطلاحاً.. مشاريع تخرّج. وهو كالخريطة المعروفة تماماً في كافة مفرداتها وتفاصيلها الفنية، بداية من تشوّش الفكرة، ومحاولة خلق شيء من لا شيء، ولم يخرج الفيلم بأي حال عن هذا الإطار.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى