نجيب محفوظ… الأديب المفترى عليه!

كمال القاضي

الغالبية العظمى من عامة الناس في مصر لم يكونوا على دراية بما يكتبه نجيب محفوظ، قبل حصوله على جائزة نوبل في الآداب أواخر الثمانينــــــيات، رغم أن السيــــنما نقلت الكثير من إبداعه الروائي فتحول أدبه إلى أفلام مهمة حصدت الملايين في شباك التذاكر، ومع ذلك ظل محفوظ مجهولاً لدى البعض.
عرف الجمهور أبطال الأفلام وارتبط بهم، ولم يعتن كثيراً بمن صنع الشخصيات وأبدعها في الروايات التي استقت السينما منها حكاياتها وقضاياها. ظل التركيز الجماهيري خارج الدائرة الروائية لسنوات إلى أن جاءت نوبل فأصبح محفوظ ملء السمع والبصر. ومثلما كانت الحفاوة والتقدير كان التربص والوعيد، إذ نشطت موجات الهجوم التاتاري وبدأت عمليات التقييم الجاهلة تعيد النظر فيما كتبة صاحب الجائزة على ضوء الفهم الخاص في إطار المقبول والمرفوض أخلاقياً ودينياً، وكان من نتائج ذلك التحريض ضده بشكل مباشر بدعوى الزندقة والإلحاد، ما أسفر عن محاولة فاشلة لاغتياله أمضى بعدها سنوات عاطلاً عن الكتابة جراء الطعنة القاتلة التي سببت له إعاقة منعته من كتابة الجديد، وقد تبين من التحقيقات في ما بعد أن المبادر بمحاولة الاغتيال أمي لا يقرأ ولا يكتب ويعمل طبالاً، هذا المجرم لا يرى في مهنته كطبال عيباً، ويعتبر أن إبداع نجيب محفوظ قبح وفجر وخروج على التقاليد الاجتماعية وهو أمر من وجهة نظرة، يستوجب القتل.
لقد عاش نجيب محفوظ أكثر من تسعين عاماً قضى منها نحو سبعين عاماً كاتباً ومبدعاً، ورحل منذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً ولا يزال الرجل مستهدفاً في قبره، كما كان مستهدفاً في حياته فها هي دعوات الشجب والإدانة تلاحقه، ليس لفساد وظيفي أو استغلال نفوذ أو السطو على المال العام أو الهروب من تنفيذ حكم جنائي، وإنما لارتكاب فعل الكتابة الروائية والقصصية، وهو الفعل المجرم في عقيدة أعداء المواهب ممن لا يقرأون كتاباً أو يبدعون سطراً، وليس المدهش في رفض محفوظ أو كتاباته، ولكن المثير للحنق والغضب والاستفزاز هو التجرؤ على حرمة الموتى وقداسة الموت، بالافتئات والتشويه العمد ليس لشيء غير العدوان المجاني لقاء الشهرة والظهور على حساب رجل أصبح في ذمة الله، ورحل وانتهت مسيرته في الحياة بما له وما عليه.
لم ينظر أولئك المتربصون بنجيب محفوظ إلى شيء من إيجابيات كتاباته في التثقيف والتنوير، وتأهيل العقل للتحضر والتفكير والنقد والنبوغ وتسليط الضوء على السلبيات في مختلف فترات حكم مصر، عبر أعماله الأدبية المهمة، ولكنهم أعملوا ذائقتهم البدائية في إطار الفهم الساذج للمستوى السطحي للروايات محل الخلاف، وتعاملوا معها بوصفها أدلة الإثبات على كفره وإلحاده وفسوقه، فاصلين الصور الإبداعية عن سياقها الفلسفي والأدبي، وهو القصور ذاته في الوعي ودرجة الاستيعاب والقدرة على استنباط المعنى الحقيقي للرواية بخلفياتها الإنسانية والاجتماعية والسياسية، فبدلاً من أن يجدوا حلاً لمشكلتهم انبروا للهجوم عليه واتهامه حياً وميتاً وهو فعل ليس إنسانياً وليس أخلاقياً ولا أتصور أن نجيب محفوظ وحده المعني بالعدوان، ولكن الرسالة موجهه لكل موهبة لإرهابها وقمعها لتوأد وتموت ويموت معها كل موهوب ليظل العقل صفحة بيضاء جاهزة للإعداد والحشو.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى