قلعة حلب تطل على سنوات من الحرب والدمار

لم يكن الإسكندر الأكبر أو خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح أو البيزنطيون والمماليك والأيوبيون يدركون أن قلعة حلب التي خاضوا عليها أعتى الحروب وتحصنّوا في قلاعها سوف تدخل بعد خمسة آلاف عام تاريخاً آخر هو عصر الحرب السورية.

وقلعة حلب هي إحدى أهم وأكبر القلاع في العالم حيث احتلتها حضارات عديدة وأقام بنيانها الأيوبيون ويعود تلها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.

وعلى مدى خمس سنوات من الحرب السورية تحولت القلعة إلى نقطة تماس على خط القتال إذ تحصّن الجيش السوري في داخلها من جهة وتمركز مقاتلو المعارضة في محيطها.

ويقول العميد فواز إسماعيل خلال تفقده القلعة “كان كل جهد مقاتلي المعارضة أن يأخذوا القلعة ولو أخذوها لكان كل شي خلص.. انتهت حلب.”

وانقسمت حلب إلى مناطق خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة وأخرى خاضعة لسيطرة الحكومة خلال الحرب الأهلية الدائرة منذ ما يقرب من ست سنوات لكن مكاسب سريعة حققها الجيش السوري وحلفاؤه بدأت في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني سلبت مقاتلي المعارضة أغلب الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها في غضون أسابيع.

وقال أحد حراس القلعة من الجيش “كنا نحو 25 شخصاً نحمي القلعة. كنا نبّدل مع شباب موجودين في الأسواق عبر نفق تم حفره وعندما فجرّوا فندق الكارلتون شعرنا وكأن زلزالاً وقع في المكان، لا تزال جثث شبابنا تحت الفندق.”

وقلعة حلب في المدينة القديمة التي أدرجتها اليونسكو على لائحة مواقع التراث العالمي عام 1986، وقد سبق هذا التصنيف العالمي تشييد مدرج على سطح القلعة يتسع لحوالي ثلاثة آلاف متفرج فيما يرجّح أحد الباحثين وجود آثار رومانية تحت هذا المدرج الحديث الذي لم ينقبّ فيه من قبل.

ويضيف العميد فواز أن القلعة بقيت طوال الحرب تحت سيطرة الجيش السوري ويقول “القلعة اليوم بشكلها العام مقبولة وان كانوا رموها بالنار كثيراً.. حراس الموقع كانوا في الداخل طوال الوقت.”

وخاض الجيش السوري حربا لحماية القلعة معتبرا أن سقوطها سوف يعني سقوطاً مدوياً لكل المدينة لكون القلعة تشرف من تلتها العالية على حلب بشكل دائري.

وقال جندي من الجيش السوري من قوة حماية القلعة “حاول مقاتلو المعارضة السيطرة عليها مرات عدة خلال الهجمات من محيط القلعة وأكثر من ثلاث مرات تسللاً عبر الأنفاق ولكن محاولاتهم باءت بالفشل بفضل صمود حراس هذه القلعة.”

ودارت معارك ضارية منذ اليوم الأول لدخول قوات المعارضة المدينة وغيرّت معالم أسواق المدينة القديمة والمقاهي التي كانت منتشرة بكثرة أمامها.

وخلّفت عشرات التفجيرات والهجمات دماراً كبيراً حيث كانت القوات المعارضة تسيطر على معظم الأسواق وكان الجيش السوري يعتمد على الأنفاق للوصول إلى داخل القلعة ونقل المؤن والإمدادات والذخيرة لقواته المتحصّنة في داخلها لأكثر من أربع سنوات.

وتعتبر القلعة واحدة من المعالم السياحية والدراسات الأثرية وكثيراً ما يستخدم مدرجها لإقامة الحفلات الموسيقية والفعاليات الثقافية. لكنها في شهر أغسطس آب من عام 2012 وخلال أحداث معركة حلب تعرضت لبعض الأضرار لاسيما عند بواباتها الخارجية نتيجة اشتباكات بين الجيش السوري ومسلحي المعارضة في محاولة للسيطرة عليها.

وقد أجرت مؤسسة آغاخان للثقافة والجمعية الأثرية في حلب عمليات حفظ واسعة عام 2000 لمعظم مقتنياتها الأثرية وبينها البوابة المحصّنة التي يمكن الوصول إليها عبر الجسر المقنطر. وهذه السمة كانت من إبداع المماليك في القرن السادس عشر.

ومن الأجزاء التي تحبس الأنفاس في القلعة قاعة الأسلحة والقاعة البيزنطية وقاعة العرش ذات السقف المزين المرمم حيث تعتبر القلعة مثالاً للهندسة العسكرية العربية وقد شبّهتها الكاتبة والرحالة الأثرية غرترود بل بالفنجان داخل صحنه.. حيث الفنجان هو القلعة والصحن هو مدينة حلب.

وترتفع القلعة عن مستوى المدينة حوالي 33 مترا فوق تل بيضاوي الشكل يحيط بها سور حجري فيه 44 برجاً دفاعياً من مختلف الأحجام بطول يصل إلى 900 متر وارتفاع حوالي 12 متراً.

وقال مدير عام الآثار في سوريا مأمون عبد الكريم إن الوضع في القلعة جيد بالمقارنة مع ما حدث في حلب من هول ودمار.

وأضاف “هناك أضرار لكنها أضرار تحت السيطرة. الوضع جيد داخل القلعة لكن المصيبة هي في أحياء حلب القديمة حيث توجد أضرار حقيقية هناك مأساة ستحتاج إلى الكثير من الوقت والأموال وحكماً سوف تحتاج الى تعاون دولي كون حلب مدرجة على لائحة التراث العالمي.”

وفوق بقايا فندق الكارلتون نبت العشب البري وقد سُمح للمواطنين للمرة الأولى بدخول القلعة وتفقد أثارها فيما عمد مسؤولون سوريون إلى تفقد الأضرار وعملت الجرافات على إزالة السواتر الترابية التي أقفلت الطرقات في الأسواق القديمة وصولاً إلى الجامع الأموي.

وجلست مجموعة من عناصر الجيش السوري على مدرج القلعة الأثري لأخذ قسط من الراحة فيما عمد زملاؤهم إلى إشعال بقايا الخشب والتدفئة وشرب المتّة أمام خان الشونة الأثري.

وقال جندي سوري وهو يضع الخشب في حاوية “كنّا هنا في عملية فك الحصار، كنّا في كر وفر.. نتقدم خطوة ونعود خطوتين إلى أن استطعنا تحرير المدينة وتوحيدها.”

وعلى مقربة كانت عجوز تتجول في القلعة وهي تتمتم بحرقة “حسبي الله ونعم الوكيل”.

وقال محافظ حلب حسين دياب بينما كان يتفقد المنطقة “سنبدأ بإعادة إعمار ما دمرته المواجهات، حجم الأضرار كبير وسنبدأ بإعادة الترميم والتأهيل اعتبارا من اليوم إنشاء الله.”

وقال المحامي عبد السلام بري الذي كان يتجول برفقة مجموعة بين بقايا المقاهي “نحن أمام باب القلعة بالضبط. هذه الشوارع أكلت من أرجلنا. مدرستي كانت هنا لم أجد إلا قسما بسيطا منها.”

ويضيف باكيا “اتخربت. دمروها ذكريات طفولتنا. كنّا نأتي إلي هنا لنلعب في وادي القلعة بالكرة… هنا كان جامع دمر وهنا كانت السرايا القديمة.”

وقالت ماريانا التي كانت برفقته “لم يبق لنا ذكريات، لم يتركوا لنا شيئا من ذكرياتنا.. من طفولتنا، نحن رأينا هنا كيف كانت وكيف صارت لم يبق ملامح للمنطقة”.

وأضافت وهي تكفكف دموعها “قبل الحرب بشهر كنّا هنا، فقدت الكثير، ناس صارت بالخارج وناس ماتت. أنا لا زلت أحس بأنني اسمع أصواتهم.”

وبينما كان زملاؤها يلتقطون الصور التذكارية عند بوابات قلعة تحاكي التاريخ في الفتوحات والحروب كما في السلم والازدهار قالت ماريانا “المنطقة سترجع ولكن هل ترجع الناس”.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى