… بلى هناك سكاكين في مطابخ هذه المدينة

 

«رواية مؤثّرة ومكتوبة بحساسية عالية»، بهذه الكلمات الإحتفائية وصفت جريدة «لوموند» كتاب «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» الصادرة بترجمتها الفرنسية عن دار «أكت سود/ سندباد، لوريان دي ليفر 2016». وقد نشرت الجريدة الباريسية العريقة هذا المقال تزامناً مع الأحداث الدامية في حلب، على اعتبار أنّها رواية يسرد فيها الكاتب المولود في حلب (1964) سيرة المدينة- الرمز على امتداد خمسة عقود تقريباً، هي فترة الانقلاب البعثي في ستينات القرن العشرين حتى الثورة السورية الأخيرة.
تتداخل في رواية خليفة سيرة حلب عبر حكاية إحدى العائلات التي سكنتها. يُعيدنا الكاتب الى بداية التراجيديا السورية، فالراوي (أحد أفراد هذه العائلة) مولود في عام تولّي رئيس «البعث» الحكم في سورية، فكأنه صورة عن وجه المدينة التي قُمعت. حلب التي تحولّت فما عادت تشبه ذاتها. «المدن تموت أيضاً مثل البشر»، يقول خليفة في روايته. وهي أيضاً كما الناس تعرف أياماً مجيدة وأخرى أليمة.
الأم، سوسن، هي أيضاً شخصية متحولة، فمن شخصية محبوبة جداً إلى امرأة مهملة ومنسية، هي التي التقطت مبكراً إشارات الديكتاتورية الناتجة من قومية جديدة. وفي مقابل كآبة الأم وحزنها، ترسم الرواية شخصية الابنة الكبرى، التي رافقت ضابطاً مظلّياً، لتتحوّل بعدها من قومية ورعة، إلى علمانية عنيفة فمؤمنة محجبة، ومن ثمّ عاهرة «فاخرة» جرّاء فشل عاطفي. فلا تعيش أخيراً إلاّ من أجل شغفها والدوار الذي تُخلّفه في بعض الرجال.
هذه هي الدفعة الأولى التي تُجسد تقريباً أهم شخصيات الرواية. فمن قصص الحب الجياشة الي عرفها الخال المثلي، الى تلك المشاعر الحسية العابرة، يحضر الحب كما لو أنّه روح هذا الوجود. الحياة حاضرة هنا بكلّ وجوهها، من دون أن يملك أحد فكرة عن الانتصار أو الهزيمة. الشخصيات تعيش فقط والحياة هي التي تُقرّر مصائرهم وترسم مساراتهم.
توقفت المقالة المنشورة في «لوموند» عند هندسة الرواية بالقول: «هي تبدو ظاهرياً فوضوية البناء، غير أنها في الواقع دقيقة ومشغولة جداً. تقوم على فكرة ذهاب وإياب مذهلة بين الأزمنة. وفي الوسط تقبع الشخصية الرئيسة في النص: حلب. كلّ شيء يعود اليها وكلّ شيء يتوقف عندها. وقد نقع على صفحات مضيئة في جماليتها الفنية، غناها الثقافي، واقعيتها الحياتية».
والإشارة الأهمّ التي يذكرها أنّ عند كتابة الرواية لم تكن حلب مسرحاً للأحداث السورية كما هو حالها منذ أسابيع، غير أنّه جعلها بطلة أحداثه وفضاء للمقاومة وسط كلّ الخراب الذي تعيشه.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى