برنامج سويدي يحاكي آلام الفلسطينيات

قيس قاسم

يستوحي البرنامج التلفزيوني «على خطى مسيرة السيدة مريم» قصة انتقال السيدة مريم العذراء مع زوجها يوسف من مدينة الناصرة الى بيت لحم سيراً على الأقدام، كما وردت في الكتاب المقدس، ليحاكي الواقع الذي تعيشه نساء الضفة الغربية، بخاصة الفلسطينيات ساكنات المخيمات، ومقارنة أوضاعهن الصعبة بالمستوطنات الإسرائيليات اللواتي ما زلن يتعاملن مع الواقع من خلال النصوص متجاهلات حقيقة أن الاستيطان يقام على أراضي تعود للفلسطينيين، ولن يقبلوا به كأمر واقع مفروض عليهم بالقوة، كما بيَّن البرنامج السويدي.
للوصول الى جنين أولاً، كان على فريق العمل ركوب باصات صغيرة، توصلهم الى حاجز الجلمه وبعد اجتيازه يمكنهم اكمال مسيرتهم. من جنين وصلوا الى مخيم بلاطة القريب من نابلس وهناك التقوا معلمة اسمها فريال سعيد خروب استقبلتهم وأعطتهم نبذة عن المخيم وشكت انعدام الخصوصية فيه لضيق شوارعه وضعف عزل جدران بيوته وقلة حيلة ساكنيه في الخروج منه. قصتها تشبه قصص معظم اللاجئين الفلسطينين، جاء جدها اليه عام 1948 مع والدها (وقتها كان طفلاً لم يتجاوز العاشرة) بعد تشريدهم من ديارهم وظل فيه حتى مماته، وبالنسبة الى المعلمة «ولدت هنا وترعرت. تزوجت وأنجبت أولاداً وما زلت أحلم بيوم نعود فيه جميعاً الى بيوتنا فنحن أصحاب حق». في بيتها دعت فريق العمل الى وجبة طعـــام شعبـية بحضور أبنائها خريجي الجامعات. شرحت للبرنامج أسباب رهان العائلة الفلسطينية على العِلم لأنه كما قالت «ضمانة ويعكس صورة ايجابية عنا، فليس برمي الحجر وأعمال العنف والقتل نُظهر عدالة قضيتنا بل بالتسلح بمعارف العصر والتعليــم». في نهاية اللقاء تعترف فريال بتراجع أوضاع الفلسطينيين وفقدناهم كل يوم مزيداً من الأراضي والحقوق.
المتشددة الدينية الإسرائيلية أورنا هالشبيرغ تتحدث بيقين كامل عن حقها في الاستيطان فوق أراضي تعود للفلسطينيين أصلاً ولا تجد حرجاً في القول إنها جاءت قبل 16 عاماً الى الضفة الغربية وأقامت في مستوطنة إيتمار لجمال طبيعتها وصلاحيتها لتربية وإكثار الماعز. أدخلت فريق العمل الى ورشة للحياكة تملكها وأخبرتهم عن وجهة السجاد اليدوي الذي تحيكه: «أنسجه من الآن لنفرش به أرضيات «الهيكل المقدس» عند ظهوره ثانية في القدس».
لا يهمها حقيقة وجودها على أرض احتلتها إسرائيل عام 1967 و «لولا بعض غيوم الخوف لكان كل شيء بالنسبة إليّنـــا علـــى ما يرام» في تلميح الى الفلسطينيين وما يمثلونه لها. «مقــابلة كل عربي تعني بالنسبة اليّ تهديـــداً جدياً لحياتي، ومع هذا اعتدنا التعـــايش مع الخوف منهم، لقناعتنا بأننا نؤدي واجبنا في حماية وطننا اسرائيل».
في بير زيت كانت مقابلة الشابة مرح، معلمة فنون السيرك، مختلفة. داخل خيمة السيرك كان عدد من الأطفال الفلسطينيين يتدربون على عرض مضمونه يعكس حقيقة أوضاعهم ومشاكلهم مع خصم لا يريد الإعتراف بحقوقهم أما الغاية من السيرك فتلخصها مرح قائلة: «يهدف تعليم السيرك الى تقوية العلاقات الإجتماعية بين الشباب وتنمية قدراتهم. ومن خلال عروضه يمكنهم طرح أسئلة تشغل بالهم والتعبير فنياً عن دواخلهم».
مرح أجابت بالنفي على سؤال وجهته معدة البرنامج حول احتمال إقامة السلام بينهم وبين الإسرائيليين قريباً: «لا… لأننا نعاني من مشكلات داخلية كثيرة. نسينا صراعنا مع إسرائيل وبدأنا بصراعات مع أنفسنا. أحزابنا السياسية غير موحدة وشديدة الاختلاف في ما بينها».
عند الوصول الى كنيسة المهد، حيث ولد السيد المسيح برزت مفارقة شديدة بسبب انعدام إمكانية ولادة النساء الفلسطينيات في مدينة بيت لحم ولا في المناطق المهمشة القريبة منها. لهذا السبب فكر العاملون في الحقل الصحي الفلسطيني بإقامة عيادات متنقلة، صعدت معدة البرنامج في واحدة منها وحاورت الممرضة كوكب القادر وسألتها عن الفكرة: «نذهب بالسيارة/العيادة المتنقلة الى المناطق اذ يصعب على النساء وبخاصة الحوامل الوصول الى مستشفيات المدينة لأسباب تتعلق بتشدد قوات الجيش الإسرائيلي وطول الانتظار على الحواجز الى جانب ضعف امكاناتهن المالية وقد يعجزن بسببها عن دفع أجرة النقل والطبيب في حين نقدم نحن كل شيء اليهن مجاناً». يدخل برنامج «على خطى مسيرة السيدة مريم» عيادة بسيطة ويتابع فحص طبيب فلسطيني لمولود صغير، عبّرت والدته لفريق العمل عن أمنيتها في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والعيش في سلام حقيقي مثل بقية شعوب العالم.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى