‘سيدة الأسرار: عشتار’ نص يكتب دستور دولة الشهوة العظمى

مازالت الحضارة البابلية تمثل مصدرا خصبا للإلهام، ومازالت تغري الأذهان والأقلام للكتابة في فلكها. هذا العالم المليء بالألغاز الأسطورية، وهذه الحضارة الخالدة التي تمثل بدايات الازدهار والعمران والفنون ماانفكت تبوح بأسرارها العظيمة وما فتئت تعطّر صفحات الكتّاب في أعمالهم.

وفي هذا السياق صدرت للكاتبة التونسية حياة الرايس، الطبعة السابعة من مسرحيتها “سيّدة الأسرار: عشتار”، عن دار “نقوش عربيّة” بتونس.

مسرحية ميثولوجية مستوحاة من حضارة الشرق القديم، من حضارة بابل بالذات، وهي ملحمة شعرية تستعيد قصة حب عشتار وتموز بنفس جديد، بين عشتار أكثر الآلهة انتشارا وبين تموز إله الربيع.

ويقول المسرحي التونسي عزالدين المدني، في مقدمة الكتاب “هذا نصّ مسرحي جديد، بل هذا نص مسرحي يناقض مناقضة تامّة أو تكاد المسرح السّائد في تونس وفي أقطار عديدة من العالم العربي اليوم.

حياة الرايس لم تكتب نصّا مسرحيّا منتظم الحوار، إنّما كتبت شعرا على شعر متسيّب، نسجت نصا مسرحيّا شعريّا بلا عروض لكنّه بقافية الإيقاع، خروج على المعتاد، دخول في أدغال الملاحم البشريّة: جلجامش، الإلياذة، تغريبة بني هلال، الأوديسة… وغيرها كثير. هو نصّ يجدّف بقاربه ضد تيّار النّهر الهادر، تيّار السّائد، ولكن أيضا تيار اليوم الرّاهن”.

ويضيف المدني”هي تكتب مسرحيّة ملحميّة (لا ملحميّة براشت بطبيعة الحال بل ملحميّة سوفوكليس الكاتب والشاعر الإغريقي الأعظم)، ملحميّة طقوسيّة لا واقعيّة دراميّة، لا طبيعيّة، لا رمزيّة، ألغازية، يجب فكّ / تفكيك ألغازها ورموزها، وعلاماتها، وقواعدها المستترة المضمرة”.

ويقول عنها الناقد التونسي محمد صالح بن عمر “لعل حياة الرايس باختيارها هنا السير في هذ المنحى إنما تحيي سنة بدأها محمود المسعدي في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن الماضي؛ وهي توظيف الأجواء الأسطورية المشرقية القديمة في معالجة قضايا الواقع والعصر”.

ويتابع ” الكاتبة مهووسة بالتحرر الكلي للمرأة، وقد وجدت هنا ضالتها في عشتار آلهة السماء والأرض في الميثيولوجيا السومرية، رمز الأنوثة الكاملة. ولهذا الرمز في المسرحية دلالة عميقة؛ وهي أن الأنثوي مصدر مطلق للخلق، فعشتار في تلك الميثيولوجيا هي التي خلقت الكون وجميع الكائنات الحية ومنها الإنسان. ويعني ذلك أن الذكوري متولد عن الأنثوي لا العكس.

وهذه الربوبية الأنثوية تفرض، حينئذ، قلب الأدوار التي ترسخت منذ فجر التاريخ باختزال وظيفة الأنثى في أداء دور التابع الذلول المسخر في خدمة الذكر. وذلك لأن الرجل هذا الباسط هيمنته المطلقة على أشد الميادين حيوية في المجتمع ليس في جوهره سوى صنيعة للمرأة تلك التي بفضلها يوهب الحياة”.

الكتاب عبارة عن نص في مديح الجسد الحرّ، الجسد العاشق والجسد المنفلت من القيود والأسيجة، نص طليق في مديح الشبق المطلق، يكتب أول بنود دستور دولة الشهوة العظمى. وكما الشهوة المتجددة ها هو الكتاب يتجدد في نسخه وطبعاته ليبحث عن عاشق جديد يروي ظمأ الكلمات.

بدوره يقول عنه الناقد والكاتب التونسي كمال الرياحي “في الحقيقة، نص “سيدة الأسرار” نص في مديح الأنوثة، نص آسر يعبر بك الأزمنة والعصور ليجعلك في مأمن من نفسك تتابع الحكاية مثل طفل عبر فتائل السرد المشوق الذي أجادت حياكته الحكّاءة حياة الرايس في لغة شعرية راقية يفوح منها عبق الخطيئة الأولى: الحكاية الأولى؛ حكاية الرجل الذي يؤسر بالحكي”.

إنّ حياة الرايس في هذا العمل من خلال استدعائها لفن التشويق القصصي تجيد اللعب بأنفاس المتلقّي الذي يبقى يلهث عبر كامل النص خلف متعة التلصص على تفاصيل البوح الذي تمارسه “سيدة الأسرار” وهي تعلن عن شبقها الكبير.

نحن في هذا النص مع كتابة إيروسية متحررة غاية في الشفافية تروي قصة حب عظيم عاشته ربة الحب والخصب، ولكنه في النهاية الحب العظيم الذي تحلم به كل امرأة وكل أنثى. هو نص كتب بحب في مديح الحب.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى