“نزهة صيفبة في حدائق ” بوش جاردنز للشاعر عبد المحسن يوسف

خاص “الجسرة”

 

هذه الحديقة الكبيرة تبهج القلب ..
لكنما اسم ” بوش ” هنا هل سيقلب المسرّة كمدًا ؟

لمن تؤولُ يا ترى ؟
لمن تؤول ؟
لبوش الصغير الذي تبغضه السريرة ؟
أم لبوش الكبير ، الجهم ،
المبتلى بالغضون ،
الناحل الطويل ككابوس ؟
أم أنها لا تؤول إلى أيٍّ منهما ؟
وهكذا كنت وفيًّا لريبتي ،
واحتفلتُ بجهلي !
..
..
قبل الولوج إليها ، وفيما كنا نركن المركبة ،
أو جواد الفولاذ المطهم ،
انتبهنا إلى ” الدائري ” الكبير المغمور بالورد ،
المغسول بالندى والضوء ،
والمرتبك بحرية الفراشات ..
أدركتنا المسرّة ..
..
..
أنا القاحل ابن القاحل ، المؤثث بالرمل
والمطعون بالصحراء وبلاغة القيظ ،
تحتفي بي الورود هنا وتسلمني للعبق ..
..
..

بعد صمت ٍ فصيح ٍ ، هتفتُ ” بالعبير ” :
– آنَ أنْ تدركي الضوع في جدائل شعرك ِ ، يا حلوتي ،
في ثيابكِ البيضاء وعلى أطرافِ الأصابع ِ وعتمة ِ الأهداب ..
..
..
بفرح ِ فراشة ٍ صغيرة ٍ ، أجابتْ :
– حبيبي ، في قميصكَ يصفو العبق
– في قميصكَ يصفو.
– وأضافتْ ضاحكةً :
– شممته ، وإلى سماءٍ ثامنة ٍ كادَ بي يعرجُ
..
..
ضحكنا عاليًا ،
ضحكَ الصغيرُ محمدٌ ..
وكان في خديه تفاحٌ خجولٌ يشتدُّ حمرة ً
أو ما يشبهُ التفاح ..
..
..
إلى الحديقة دلفنا ..
هل نحن في جنّة ٍ ؟
هكذا قالت ِ امرأة الياسمين ،
و بحتُ أنا ..
ونبتتْ لنا نحن الثلاثة أجنحةٌ ..
..
..
في الذاكرة ِ
في الذكرى

طفقنا نفتش عن جنّة ٍ مثل هذي ..
بيد أنّا لامسنا رملاً وصحراء تفيض !
..
..
بعد صمت ٍ فصيح ٍ،
تساءلتُ منتشيًا :
هل بوسع كلِّ امرئ ٍ أن يبدعَ جنته
التي تتنزه في حلمه الوارف
وينسى الجِنانَ التي في النصوص ؟
..
..
لم تجبني الفراشةُ ،
أعني فراشةَ قلبي ..
وغابتْ قليلاً عن المشهد ِ الفذ ..
..
..
أقولُ : بعضُ الغياب ِ حضورٌ ..
تردُّ : حضورٌ كاملٌ هو الغيابُ هنا ..
..
..
صعدنا إلى مركبٍ ، صحبة نسوة ٍ جميلاتٍ ، ورجالٍ أنيقين ،
وكان صوتُ سيدة ٍ شقراء دليلاً لنا في نزهةِ الماء ..
كأنّ الصوتَ شمسٌ تتبرج !
تذكرتُ ” رامبو “- هنا –
( لماذا تذكرتُ رامبو ؟ )
هل لأننا في مركبٍ ؟
أم لأنّ رأسي يميلُ ؟
..
..
تمتمتُ منتشيًا :
ثملٌ أنا بالحديقة ..
هنا ضبطتُ نفسي متلبّسًا ب”أونغاريتي “،
كان ” أونغاريتي ” يغردُ مبتهجًا في السريرةِ :
” إنني ثملٌ بالخليقة ” .
..
..
كدتُ أبكي !
أمنْ غبطة ٍ كدتُ أبكي ؟
ومثل قنديلٍ يهمسُ لعتمته ِ، همستُ :
حتى الجمال كفيلٌ بأن يغرق أعماقَنا بالدموعْ !
..
..
أسرفتُ في التأمل ،
أسرفتُ في التحليق ..
فيما كان المركبُ يعدو بنا متمهلاً
بين ضفتين من شجرٍ عال ٍ وأعراس ِ ظلال .
فوق رؤوسنا ثمة طيور ترفرف مطمئنةً ، وتصدح ..
هتفتُ : تلك ليست طيورًا ،
تلك ليست طيورًا ..
إنها قلوبنا التي فرّتْ من أقفاصها العمياء
تستعيدُ حريتها محلّقةً ،
وتمزّقُ الأغلال ..
قالت ” العبير ” :
ليس ثمة أغلالٌ ،
نحن من نصنعُ أغلالَنا ..
..
..
كدتُ أطير ..
وهنا تذكرتُ فيلم ” الطائر ”
تذكرتُ ذلك الفتى الذي من فرط شغفه بالطيور
توهّمَ أن السماءَ متاحةٌ له كي
يحلق حيث يشاء ،
وأنه أضحى خفيفًا كغيمةٍ أو كطائر ..
..
..
أحقًّا هي السماءُ متاحةٌ ؟
وهل سوف تمنحنا أجنحةً كي نطير ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى