«واحد تاني» مسرحية تتحدى «ضحكة» أشرف عبدالباقي

يسري حسان

لعل نجاح أشرف عبدالباقي في تجربة «تياترو مصر»، زاد انزعاج من يرون أن المسرح شيء آخر غير ما يقدمه هذا الفنان، وإن كان هناك من يؤيده في اتجاهه باعتبار أن مسرحه يناسب «حركة المجتمع» اليوم، وأن الناس في هذا الظرف الصعب لا يريدون من المسرح أكثر من ذلك، وأنه لا خوف على المسرح خصوصاً إذا استطاع تقديم البديل الذي يمكن للمشاهد أن يرى نفسه فيه.
يحاول عرض «واحد تاني» (مسرح الطليعة في القاهرة) أن يقدم البديل. هو عمل كوميدي، لكنه يتخذ من الكوميديا وسيلة لطرح قضية أكثر عمقاً ولا تتوقف عند مجرد إضحاك الناس وجعلهم يذهبون إلى بيوتهم وقد اطمأنوا إلى «أن الدنيا بخير»، لأن الكوميديا هنا ترفّه وفي الوقت نفسه تثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام.
وقد وضع كاتب النص مصطفى سعد عنواناً عريضاً لكتاباته المسرحية هو «مسرح الاستفهام» الذي يقوم على ما يشبه اللغز الذي يأتي تفسيره في نهاية المسرحية التي أخرجها شادي سرور.
وفي الأحداث أن مسافراً يصل إلى فندق في ضاحية غير معلومة، في زمن غير محدد، لتأكيد أن الأحداث تخص الإنسان عموماً في أي زمان وأي مكان. هذا المسافر الذي تنطلق من عنده الأحداث وتعود إليه، يتعرض لمفارقات مضحكة، لعل أبرزها أنه يرى كل شخص في صورتين متناقضتين. فعامل الفندق البسيط هو نفسه الرجل الثري الذي يقيم في الفندق مع زوجته، وهي نفسها زوجة العامل البسيط التي تحاول إغراء المسافر لتحصل منه على مال، واللص هو نفسه الضابط الذي يحقق في واقعة السرقة التي ارتكبها، والمجموعة المسلحة التي تهاجم المسافر باسم الدين هي نفسها المجموعة الماجنة التي تمضي وقتها في السُكر والعربدة.
المسافر نفسه ينقسم في النهاية على نفسه ونشاهده في شخصية أخرى نقيض شخصيته الأساسية تماماً. هذه الانقسامات تفجر أيضاً السؤال: ما الذي يحدث بالضبط ولماذا يحدث على هذا النحو؟
لكن العرض لم يستطع الفكاك من تأثير مسرح أشرف عبدالباقي، رغم أن منحاه مختلف تماماً، فقد أفرط الممثلون في الكلام المبتذل، وإن كان الأداء التمثيلي المتقن ورسوخ ممثل في خبرة أحمد صيام قد أنقذا العمل من الوصول إلى درجة يمكن تصنيفه معها بأنه مسرح تجاري يسعى إلى مغازلة شباك التذاكر. إذاً، التمثيل أنقذ العرض من السقوط في هذا الفخ، فالتحول من شخصية إلى أخرى يتطلب خبرة ووعياً ومجهوداً مضاعفاً، وهو ما توافر في العمل.
وكان الديكور واقعياً في ستة مشاهد، واتسم تصميمه بمرونة تتيح تغيير المنظر من دون اللجوء كثيراً إلى الإظلام. وأتت الإضاءة أقرب إلى الإنارة، ولم يكن مطلوباً منها أكثر من ذلك، لجهة أنها حققت الغرض منها في شكل جيد.
أما الإخراج، فاستلزم خبرة توافرت له رغم أن سرور يقدم تجربته الكوميدية الأولى. فقد بدا مدركاً ضرورة التوازن الذي يجنب العرض السقوط في فخ الابتذال تحت إغراءات الضحك، كما جنَّبه الاستغراق في التجهم. وبدا جهد المخرج واضحاً في السيطرة على الخشبة، خصوصاً أن معظم الممثلين يلعب كل منهم دورين متناقضين.
عرض «واحد تاني»، لمن يتأمله جيداً ويمعن في فك ألغازه، يناقش قضية الأحلام المجهضة، فعامل الفندق البسيط وزوجته الفقيرة في داخلهما حلم الثراء. ولأن الواقع صعب ويمنعهما من تحقيق الحلم، لا يصبح كل منهما واحداً، بل اثنين. والأمر نفسه ينطبق على تلك المجموعة المسلحة التي هي في الأصل مجموعة ماجنة لديها أحلام تسعى إلى تحقيقها وتفشل فتلجأ إلى الفعل العنيف.
أسئلة يتركها العرض معلقة في أذهان مشاهديه: إذا كنا ننقسم هكذا على المستوى الفردي، فماذا يكون الوضع على المستوى الجمعي؟ وما الذي يجعلنا ننقسم أساساً؟ وما السبيل إلى تجنب هذا الانقسام؟ هكذا يفجر العرض أسئلته ويطرح نفسه بديلاً من المسرح السائد الآن. مسرح يدرك أهمية الضحك، لكنه يوظفه لخدمة قضية، تبدو فلسفية في عمقها وفي ارتباطها بهموم تستحق الانشغال بها.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى