العنف الجسدي واللفظي يجتاح الدراما التونسية

صابربن عامر

كحال كل عام، عرفت الدراما التونسية في 2016 ذروتها الإنتاجية في الموسم الرمضاني الماضي، ثم السبات العميق المطعّم بالإعادات لما تم بثّه خلال الشهر الدرامي الوحيد.

رمضان 2016 قدم للمشاهد التونسي في خمس قنوات فقط، اثنى عشر عملا تونسيا بين مسلسلات وسيتكومات، وهي تباعا “الوطنية 1” التي عرضت مسلسلها اليتيم “وردة وكتاب”، وقناة “الحوار التونسي” الخاصة بمسلسلي “أولاد مفيدة 2” و”فلاش باك”، كما عرضت قناة “حنبعل” الخاصة مسلسلها التونسي-اللبناني “الأكابر”، في حين راهنت قناة “نسمة” الخاصة على المسلسل التركي “ورد وشوك” مغردة بذلك خارج سرب المنتوج الدرامي التونسي، عدا سلسلتها الكوميدية “نسيبتي العزيزة” (حماتي العزيزة) في جزئها السادس.

أما في خصوص السلسلات الهزليّة فقد عرضت “الوطنية 1” سيتكوم “العيلة شو” الذي لم يمت إلى الهزل بأيّ صلة لا من قريب ولا من بعيد، وقدّمت “الوطنية 2” سيتكوم “الكاستينغ”، وهو الإنتاج الوحيد للقناة في رمضان الماضي، حيث ظلّت تجترّ نجاح مسلسلاتها السابقة كمسلسل “الخطاب على الباب” بجزأيه، وسيتكوم “شوفلي حل” و”الوتيل” (النزل).

وفي المقابل، أعادت قناة “نسمة” الخاصة إنتاج سيتكومها التونسي-الجزائري “نسيبتي العزيزة” في نسخة سادسة وطعّمته بسيتكوم آخر عنوانه “هاذوكم” (أولئك)، وقدمت قناة “الحوار التونسي” سيتكوم “دنيا أخرى”، وراهنت قناة “التاسعة” الخاصة على الجزء الثاني من سيتكوم “بوليس حالة عادية” بعد نجاح الجزء الأول منه، وأرفقته بسيتكوم ثان حمل عنوان “الرئيس”، كما قدمت قناة “حنبعل” سيتكوم “أومبوتياج” (زحمة طريق).

ومن هناك تفوّقت السيتكومات من حيث العدد في القنوات التونسية الخمس على المسلسلات الدرامية، وهو أمر مفهوم على اعتبار أن الفارق شاسع بين تكاليف إنتاج مسلسل درامي وسيتكوم هزلي.

وفقا لما سبق، اتفق النقاد على أن الخيط الرابط بين كلّ المسلسلات الدرامية والسيتكومات الهزلية على حدّ السواء في رمضان الماضي، تمثل في استشراء العنف الذي رافق جلّ الإنتاج الدرامي التونسي لعام 2016، والذي سبقه أيضا، وكأنّ الصفع واللكم والخنق باتت عناصر لا محيد عنها ضمن الطبق الدرامي التونسي، فحفل، على سبيل المثال، سيتكوم “دنيا أخرى” رغم طابعه الهزلي بمشاهد عنيفة كالصفع المكرّر والمجاني لبطله الممثل الصادق حلواس لشريكه في البطولة كريم الغربي، هذا دون الحديث عن العنف اللفظي الذي رافق السلسلة في كل حلقاتها.

ومع ذلك، يبقى المشهد الأكثر عنفا في دراما رمضان 2016، جريمة القتل المدبّرة من قبل الممثل أحمد الأندلسي لخطيبته في مسلسل “أولاد مفيدة 2” مروى العقربي، والتي هزّت المشاهد التونسي هزا، كحاله مع نفس المسلسل في جزئه الأول في رمضان قبل الماضي، حين طعنت الطفلة خديجة الفهري والدها في المسلسل عاطف بن حسين فأردته قتيلا، وهي التي كانت تدافع عن أمها (قامت بالدور نادرة لملوم) المضطهدة من قبل زوجها الذي كان يشبعها لطما ولكما بسبب أو دونه.

وغير بعيد عن عالم الجريمة، أتى مسلسل “الأكابر” الذي عرض على قناة “حنبعل” قصة انتقام محبوكة التفاصيل، وصل حدّ القتل بأعصاب باردة.

وفي السياق ذاته، جاء مسلسل “وردة وكتاب” نقلا تسجيليا أكثر منه روائيا للظواهر الاجتماعية السلبية التي سادت المجتمع التونسي قبل ثورة 14 يناير 2011 وبعدها، من قبيل استغلال النفوذ والفساد الإداري والإرهاب والتشدد الديني والمخدرات، في إعادة لإنتاج ما وقع على تونس من جور وعنف بنسق درامي رديء.
وبعيدا عن مسلسلات العنف والثأر ومشتقاتهما، مثلت قناة “حنبعل” في رمضان الماضي الاستثناء في المشهد الدرامي التلفزيوني من خلال عرضها لسلسلة “مدرسة الرسول”، وهي سلسلة درامية تاريخية وثائقية، تتناول في كل حلقة شخصية من الصحابة والتابعين أو القضاة والمصلحين الذين لم تردّهم المصالح الشخصية عن التضحية في سبيل ما آمنوا به، وكان منهجهم سيرة الرسول محمد في أقواله وأفعاله.
جنسيات أخرى

ظاهرة جديدة ما فتئت تترسّخ في الدراما الموسمية التونسية من موسم إلى آخر، تلك التي تعتمد على ضخ وجوه أجنبية في الدراما التونسية سواء منها العربية أو حتى التركية، كالذي حصل مع مسلسل “الريسك” الذي عرضته قناة “حنبعل” في رمضان قبل الماضي، حين استعان مخرجه نصرالدين السهيلي بالممثل التركي ذي الأصول العراقية سليم باركتار الشهير بدور سنبل آغا في المسلسل التركي التاريخي “حريم السلطان”، فجسد باركتار دور رجل أعمال تركي من المافيا يتقن الحديث باللهجة التونسية.

ظاهرة يود منها منتجوها تحقيق المزيد من الانتشار لمسلسلاتهم خارج الحدود التونسية، في ظل المنافسة المحمومة على كعكة الإعلانات في الموسم الدرامي اليتيم.

قناة “حنبعل” كرّرت نفس التجربة هذا العام مع مسلسل “الأكابر”، لكن بوجوه لبنانية هذه المرة، فكان إيلي شالوحي وجوال الفرن نجمي المسلسل إلى جانب الوجوه التونسية.

وتعود الريادة في مجال الاستعانة بممثلين من غير التونسيين في سلسلات تونسية خالصة نصا وإخراجا لقناة “نسمة”، حيث واصلت لسنتها السادسة على التوالي هذا العام الاستعانة بأسماء جزائرية لامعة كالمخضرمة بيونة في دور “بريزة” ورزيقة فرحان في دور “حجلة”، والأخيرة كانت لها تجربة سابقة أيضا مع نفس القناة في سلسلة “دار الوزير” من خلال شخصية “نصيرة”.

وهو ما فعلته قناة “الحوار التونسي” خلال رمضان قبل الماضي، حين استنجدت مخرجة مسلسل “حكايات تونسية” ندى المازني حفيظ بالممثل المصري أحمد فريد ليقوم بأحد أدوار البطولة في “حكايات تونسية” بلهجة مصرية.

“فلاش باك” يكتسح

بلغة الأرقام، أعلنت مؤسسة “سيغما كونساي” المختصة في سبر الآراء وقياس نسب المشاهدة والاستماع أثناء وبعد نهاية موسم الفرجة التلفزيونية في رمضان 2016، أن المسلسلات الأكثر مشاهدة من قبل التونسيين في الثلث الأول من رمضان، تصدرها الجزء الثاني من مسلسل “أولاد مفيدة” الذي بث على قناة “الحوار التونسي” الخاصة، بنسبة مشاهدة قدرت بـ32.5 في المئة.

وهو مسلسل ذو طابع اجتماعي يتناول مسألة النسب وقضايا الشباب في تونس ويتميز بطابعه الجريء، مما جعله محل انتقاد من قبل أكثر من جهة ومؤسسة وشريحة مجتمعية في تونس، ومع ذلك بقي الأكثر مشاهدة.

وأتى الجزء السادس من سلسلة “نسيبتي العزيزة” في المرتبة الثانية من حيث المتابعة بـ20.1 في المئة، والذي بث على مدار الشهر على قناة “نسمة” الخاصة، وهي سلسلة ذات طابع كوميدي تنتجها قناة “نسمة” للسنة السادسة على التوالي، والذي واصلت من خلاله القناة تحقيق نسب مشاهدة محترمة رغم ضعف سيناريو العمل الذي لم يتطوّر كثيرا منذ وفاة بطله الأول سفيان الشعري سنة 2011.

وجاء سيتكوم “دنيا أخرى” في المرتبة الثالثة لأكثر المسلسلات مشاهدة من قبل التونسيين، بنسبة قدرت بـ18 في المئة والذي بثته قناة “الحوار التونسي” أيضا ساعة الإفطار، وهي ساعة الذروة في المشاهدة التلفزيونية في تونس.

في حين حل الجزء الثاني من السلسلة الكوميدية “بوليس حالة عادية” في المرتبة الرابعة من حيث نسب المتابعة بـ8.1 في المئة، والذي بثته قناة “التاسعة” الخاصة، ويعتبر واحدا من الأعمال الناجحة، خاصة وأن بطليه لطفي العبدلي وكمال التواتي يعدان من أكثر الكوميديين تميزا في تونس.

وأتى المسلسل التركي “ورد وشوك” في المركز الخامس من حيث نسب المتابعة بـ6.7 في المئة، والذي عرضته قناة “نسمة” الخاصة في رمضان الماضي.
واعتبر ترتيب هذا المسلسل في المسلسلات الخمسة الأكثر مشاهدة من قبل التونسيين في موسم انتصار التونسي لكلّ ما هو تونسي، مفاجأة تتحقق لأول مرة، وهو ما يترجم شغف التونسيين بالمسلسلات التركية رغم أن أعمالا درامية تونسية، مثل “الأكابر” الذي بثته قناة “حنبعل” الخاصة، صاحبتها حملة دعائية كبرى، لكنها لم تتمكن من شدّ المشاهد التونسي.

الأمر ذاته حصل مع مسلسل “وردة وكتاب”، الذي أنتجه التلفزيون الرسمي التونسي، وبث على “الوطنية 1”، والذي اعتبر من الإنتاجات الضخمة في الدراما التونسية، لكنه لم يحقق النجاح المتوقع منه.

ورغم التحاقه المتأخر بالسباق الرمضاني للأعمال الدرامية، نجح مسلسل “فلاش باك” والذي تم عرضه على قناة “الحوار التونسي” الخاصة في منتصف رمضان، في تحقيق نسبة مشاهدة قياسية قدرت بـ68 بالمئة.

وبذلك تمكن المسلسل من التفوق على كل الأعمال الدرامية المحلية والعربية والأجنبية المعروضة في القنوات التونسية من حيث عدد المشاهدين.

والملاحظ أن القنوات الخاصة تمكنت وبنسب متفاوتة من نيل اهتمام المتابع التونسي في رمضان الأخير، على حساب القناة الحكومية “الوطنية 1” التي قدّمت مسلسل “وردة وكتاب” الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه أتى بلا لون ولا طعم ولا رائحة، رغم اجتهاد بعض أبطاله على غرار خالد هويسة وعاطف بن حسين.

أما “الوطنية 2” فقد كانت حاضرة بالغياب من خلال استعادتها، كما أسلفنا، لنجاحات مسلسلاتها السابقة، مما جعلها تكون خارج حسابات المشاهدين وبالتالي المعلنين.

وهو ما أكدته “سيغما كونساي” في تقريرها لنسب المشاهدة والقنوات التلفزيونية التونسية بعد نهاية الشهر الدرامي، حيث حلت قناة “الحوار التونسي” في المرتبة الأولى، إذ تابعها 6 ملايين تونسي، من جملة 9.2 مليون تونسي يشاهد التلفزيون في رمضان، بحسب التقرير، تلتها قناة “نسمة” في المرتبة الثانية بـ3.7 مليون تونسي، وآلت المرتبة الثالثة إلى قناة “التاسعة” بـ2.5 مليون، ثم “حنبعل” بـ1.3 مليون مشاهد، لتحل “الوطنية 1” و”الوطنية 2” في المرتبة الخامسة والأخيرة بـ1.2 مليون مشاهد.

وما ميز دراما رمضان 2016 الحضور اللافت لمجموعة من الممثلين الشباب الذين أثبتوا قدراتهم التمثيلية على غرار رشا معاوية وبلال الباجي في مسلسل “الأكابر” وأيضا في مسلسل “وردة وكتاب” في دورين مختلفين، كما تميز الوجه الجديد إباء حملي في دور “صباح” في مسلسل “وردة وكتاب” وفي دور “سندة” في “فلاش باك”، وتألق غانم الزرلي في مسلسل “فلاش باك” وكريم الغربي في دوره الكوميدي في سيتكوم “دنيا أخرى”، هذا علاوة على مواصلة لطفي العبدلي تألقه الدرامي والكوميدي على السواء في مسلسل “فلاش باك” وسيتكوم “بوليس حالة عادية 2”.
كما تألق أحمد الأندلسي في تجسيد دور “زياد” الخطيب المغدور في “أولاد مفيدة 2”، ونفس المسلسل دعّم نجاح وحيدة الدريدي في دور الأم “مفيدة” للسنة الثانية على التوالي، كما حافظت المخضرمة زهيرة بن عمار على نجاحها المعتاد في مسلسل “الأكابر”، شأنها في ذلك شأن كمال التواتي في سلسلة “بوليس حالة عادية 2”.
تونسيات في مصر

في جانب آخر، عرفت دراما رمضان المصرية هذا العام مشاركة تونسية لافتة، حيث شاركت سميرة مقرون مصطفى شعبان بطولة مسلسله “أبوالبنات”، مع كل من علا غانم وصلاح عبدالله، وهي مغامرة فنية من الطرفين.

كما جسدت سامية الطرابلسي شخصية سيدة أعمال متحررة تجمعها علاقة غريبة بطبال في مسلسل “الطبال” للنجم أمير كرارة، وظهرت أيضا فاطمة ناصر في مسلسل “الأسطورة” مع محمد رمضان والمخرج محمد سامي، بعدما شاركت في مسلسل “مولانا العاشق” في رمضان قبل الماضي، ومسلسل “نصيبي وقسمتك” مع النجم هاني سلامة.

ومن جانبها أيضا شاركت دارين حداد مواطنتها في نفس المسلسل “الأسطورة”، وشاركت ساندي في مسلسل “المغني” مع المطرب محمد منير، الذي تناول قصة حياته.

وبدورها، شاركت فريال يوسف في مسلسل “سقوط حر” مع نيللي كريم، ولعبت عائشة بن أحمد دور صحافية في مسلسل “شهادة ميلاد” في ثاني حضور لها بالدراما التلفزيونية المصرية الرمضانية بعدما شاركت العام الماضي في مسلسل “ألف ليلة وليلة”.

ومن بين أبرز المشاركات التونسية لهذا العام، ظهور المطربة لطيفة كممثلة في أولى تجاربها الدرامية في التلفزيون، من خلال مسلسل “كلمة سر” مع هشام سليم وحسن يوسف وليلى طاهر.

ولم تقتصر المشاركة التونسية في دراما رمضان المصري لهذا العام على الجنس اللطيف فقط، بل ظهر ظافر العابدين في دور الضابط من خلال مسلسل “الخروج” مع مواطنته الفنانة درة.

وجسد الفنان المخضرم تميم عبده دور السفير الأميركي في مصر في مسلسل “مأمون وشركاه”، إلى جانب النجم عادل إمام في ثاني تعاون بينهما بعد مسلسل “أستاذ ورئيس قسم” في رمضان قبل الماضي.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى