الأعمال الأخيرة لحسن سليمان.. الوجود العابر

 

*وئام يوسف
أكثر ما يتّسم به معرض «الأعمال الأخيرة» للراحل حسن سليمان ـ (43 لوحة استضافتها صالة «غاليري بيكاسو» بتنظيم من الفنان التشكيلي سمير فؤاد وابنة الراحل المخرجة ليلى حسن سليمان) – تركيزهُ على عوالم الفنان الداخلية خلال فترة حياته الأخيرة التي ألقت ثقلها على لوحاته فكانت نسيجاً من المقاومة والاحتواء، صاغها بمفردات فنية تكاملت مع الفراغ في إيقاع مختلف. كان حسن سليمان قد أنجز تلك الأعمال بروح الفنان المحجوز بقيود المرض عندما اضطر آنذاك لملازمة البيت، الأمر الذي انعكس في لوحاته، فالطبيعة الصامتة فيها عبارة عن تكوينات (آنية نحاسية، زهور، فاكهة، طبق وحيد) في مكان مغلق مع بعض ضوءٍ قادم من سماءٍ خافتة، في حين أن الطبيعة الصامتة في أعماله عادة ما تكون فضاءً رحباً مفتوح الأفق. أيضاً تضمّن المعرض موضوع المراكب من خلال عدد من اللوحات التي رسمها بخامة الفحم في آخر شهور حياته.

ضوء وظل
اللافت في أعمال حسن سليمان أيضاً التضافر بين الضوء والظل، هذه الثنائية التي حملت أبعاداً فنية وجمالية قال عنها الفنان سمير فؤاد «كان حسن سليمان فناناً بارعاً في تناول الخطوط والمساحات، كما أن العلاقة بين الضوء والظلّ كانت على درجة من التميّز والحدّة في أعماله»، معللاً أن ذلك يرجع لأمرين أولهما علاقته الوطيدة مع الأزقة والحواري خلال نشأته، حيث الأبنية الضيقة التي تتخللها بقع النور الساطعة والمتضادة مع الظل، خاصة أنه جال كثيراً في القاهرة الفاطمية برفقة خاله عالم الآثار الراحل أحمد فخري. يستحضر فؤاد مقولة لحسن سليمان عن جدلية الضوء والظل من كتابه «حرية الفنان»: «لم يحدّثني أحد عن ذلك الشجن العميق في موسيقى الظل والنور، بأزقة القاهرة.. ولم يحدثني أحد عن عذوبة وشوشة مياه النيل، مختلطة بصياح الصبية».
يضيف فؤاد أن الاستثناء الذي طغى على شخصية حسن سليمان، من حيث رؤيته للأشياء وعلاقته بها وبالمحيط، بدا جلياً أيضاً في تضاد الضوء والظل فقوة شخصيته وحدّتها كانتا واضحتين في تناوله الأشياء، كما ظهرت أيضاً في كتاباته.
حسن سليمان فنان شامل. فنان ذو تجربة ثرّة حملت وجوهاً عدّة فهو فنان تشكيلي، وكاتب، وناقد ومصمّم جرافيكي، ومصمّم مناظر للمسرح، وأحد أساتذة الفن المرموق فكان مرسمه مدرسةً نهل منها العديد من الفنانين، أيضاً احتلّ مكاناً متميّزاً في الحركة التشكيلية القومية في النصف الثاني من القرن العشرين، فكان همزة الوصل بين الرعيل الأول من الفنانين التشخيصيين المصريين أو الأجانب المتمصّرين والأجيال التالية.

وجود مؤقت
يعتبر الفنان سمير فؤاد أن حسن سليمان وبرغم أهميته وتأثيره في الحركة الثقافية، فهو لم ينل التكريم الذي يستحقّ في حياته ولا بعد رحيله، معللاً بأنه لم يكون متوائماً والمؤسسة الثقافية وكان على صدام معها، عن قناعةٍ تمسّك بها طوال حياته، محافظاً على مبادئه دون أن يجامل أو يداهن «أقلّ ما يستحقه معرض شامل لأعماله يتخلله كتالوج مع إتاحة الفرصة للفنانين ليكتبوا عنه وعما أضاف للحركة الثقافية والفنية، لكن ذلك لم يتم حتى اللحظة».
اعتبر حسن سليمان أن الشكل هو وجودٌ مؤقت يتكئ على الفكرة السرمدية التي يحاول كل فنان أن يعبّر بمفرداته، فكانت أعماله أسمى أشكال التجلّي للكلاسيكية المغلفة بالإيقاع المعاصر، فبات نهجه مدرسةً للعديد من الفنانين، منهم الفنان سمير فؤاد «تأثري بالفنان حسن سليمان لم يكن بصرياً فحسب، إنما هو تأثر بالأفكار والمبادئ والقيم الفنية» لافتاً إلى أن قيمة الفنان حسن سليمان تكمن في كونه فناناً معاصراً إلا أنه حافظ على تقاليد الصورة الفنية والتي تشمل التكوين المحكم والمحافظة على رصانة الصورة، واللغة التشكيلية الحاكمة لعناصر الصورة، وتمسكه بهذه القيم كان بيّناً في معرضه سواء في لوحات الفحم أو الأخرى الزيتية.
يضيف فؤاد أن اللغة البصرية في تغيير دائم تبعاً للمؤثرات التكنولوجية والاجتماعية، ورغم سعي الفنان لمواكبته هذه التغيرات إلا أن التقاليد الأساسية للصورة هي المبدأ الذي عليه أن يسير وفقه ولو أراد كسره، فليكن شرط أن يحقق ذلك لهدف أو رسالة أو غاية.
تؤكد المخرجة والكاتبة ليلى حسن سليمان أن تجربة والدها طبعت أثراً خاصاً في رحلتها المهنية، خاصة فيما يتعلّق بالتكوين واختيار الألوان خلال العروض المسرحية التي قدّمتها، آملة أن تستمرّ بطاقته نفسها وشغفه في البحث والدراسة «هو لم يكن فناناً تشكيليا فقط بل كان مثقفاً شاملاً متعدد الاهتمامات ودائم البحث والتعمق في مختلف مجالات الحياة».
معرض «الأعمال الأخيرة» لحسن سليمان هو بحق استعادة للقيمة الفنية والحياتية لفنانٍ سيطر على اللغة التشكيلية البصرية بشكل لم يُضاهَ، فكان شديد الثراء والتنوع والنهم الدائم نحو المزيد. رحل وهو على يقين بأنه ثمرة للحضارة الفرعونية، الهيلينية، القبطية، الإسلامية وفي الوقت ذات ابن القرن العشرين الذي أدرك أن الحضارة الأوروبية ساهمت في تشكيل لغة التخاطب الفني، ليكون الفن كما قال يوماً «هو وضع الفنانِ انفعالَه في إيقاع منضبط ولا شيء آخر».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى