معرض «حدوتة مصرية» للفنان عصام كمال : القاهرة وعالمها المنسي

محمد عبد الرحيم

يقام حالياً في قاعة الباب في دار الأوبرا المصرية معرض بعنوان «حدوتة مصرية» للفنان عصام كمال، وإن كان العنوان في تقليديته ينتقص الكثير من قيمة المعرض والأعمال الفنية التي تجسد لحظات وحالات في عُمر القاهرة، بناياتها ومخلوقاتها.
القاهرة هنا ليست اللقطات الشائعة أو السياحية للشوارع والحواري والأزقة الشهيرة، بل يرصد لقطات في حياة الناس العادية وأماكنهم المنسية من الجميع، بحيث يشكلون والمكان جسداً واحداً وتاريخاً لا ينفصم. وما بين وجوه الناس وأحجار البيوت المتهالكة، تأتي اللقطات في حالة تعبيرية قصوى، راصدة فعل الزمن على الجميع، وخالقة إيقاعا جماليا ساعدت التقنية على تجسيدة والإيحاء به في معظم اللوحات.

الأماكن

تعتبر الأماكن التي اختارتها عين الفنان التعبير الحقيقي عن حال القاهرة، سواء أماكن شهيرة مثل كوبري قصر النيل، وبقايا من كوبري أبو العلا الشهير، إضافة إلى الأزقة والحواري التي طالها الزمن دون أن يُغيّب جمالها، إلا أن اللافت هو الاحتفاء الأكبر بالناس، وكيفية وجودهم في علاقات قوية مع هذا المكان أو ذاك، ومدى إحساسهم بهـــــذه الأماكن، سواء في تلمّس أحد الجدران والاستناد إليـــه في حركة عفــــوية، أصبحت من سمات الشخصية المتــــقدمـــة في السن لوحة «العجوز التي تهبط السلم في بُطء» كمفردة من مفردات الحياة اليومية. ومن الحياة اليومية تأتي الأسواق الشعبية والأشياء التي يتسوقها ساكنو المكان، إضافة إلى مظاهر المكان، سواء أكان مقهى شعبيا أو الباعة الجائلين. ومن ناحية أخرى نرى الشخوص في ملابسهم التي تدل على تكوينهم الثقافي بالأساس، والوضع الاقتصادي بعد ذلك، كالجلابيب، أو الملابس الواسعة للنساء المحتجبات خلف خمرهن.

فعل الأنسنة

ويبدو الاحتفاء بالمكان و(أنسنته) من خلال تفاصيله والاقتراب منها، كباب البيت الخشبي والشبابيك، وعروق الخشب التي تنوء بأحجاره، وقد غاص البيت في الأرض أكثر، راسماً علامات الشيخوخة في مهابة.
حتى أننا نلمـــــح الغضون في وجــــه هذا البــــيت وجسده الــذي يســـتعرض الفنان تفاصيله في دقة شديدة.

البورتريه

ومن فعل الأنسنة هذا تأتي الوجوه، التي تتشارك مع الأماكن من خلال تقنية السكين دون الفرشاة، أو الظهور المقصود لخطوط وحركة الفرشاة الحادة، لتبدو كمثل الجدران، وهي لعبة تقنية موظفة تماماً لخلق حالة التواصل بين المخلوقات وأماكنها، وكأنها جزء من المكان، حتى على مستوى الشكل التقني.
إلا أن كمال في رسمه لبورتريهات بعض الشخصيات الشهيرة، كالسادات وعبد الرحمن الأبنودي، وعازفة الفلوت الشهيرة إيناس عبد الدايم، تنطفئ معهم شعلة الوهج التي في الوجوه القاهرية غير المعروفة، والتي نطالعها دوماً في الطريق. بورتريهات المشاهير لم تكن على المستوى نفسه من التفاعل والتواصل مع المتلقي، رغم شهرتها ومعرفة المتلقي بها، فأصحاب الوجوه المجهولة أكثر رقة وحِرفة واقتراباً من القلب.

الطبيعة

ومن بين اللقطات تأتي اللوحات التي تجسد عالم الطبيعة، الصامتة كما في الأواني أو فخارية الزرع، كذلك الطبيعة الحية كما في تجسيد بعض الطيور التي لا يخلو منها بيت من بيوت الفئات الشعبية. ولم ينس الفنان أن يخلق لهذه الأشياء ملمحها الإنساني، وعلاقاتها في ما بينها، فلا المكان ولا الأشياء ولا الشخوص إلا في حالة متناغمة مع بعضهم بعضا، دون أي تنافر لوني أو حركي.

الإيقاع

ويتجلى الإيقاع أولاً في اللقطات الواسعة، والمحاولة المستمرة لخلق حالة العمق في اللوحة، والحالة هنا تأتي من الحركة دون افتعال، كقطع إحدى الشخصيات مسافة في الطريق واستكمال الحركة، أو إيماءة الوجه التي ترافق امرأة تسير، ما يجعل الحركة تشمل معظم اللوحة، دون الاكتفاء بفعل الحركة الجسدي. وفي حالة البورتريه تتولد الحركة من علاقة الوجه وعمامة فوق الرأس أو شال أنثوي يحدد الوجه أكثر ويصبح ضمن تفاصيله ويدل على شخصية صاحبته.
ونجح الفنان عصام كمال إلى حدٍ كبير في الإيحاء بالجو النفسي لهذه الأماكن ومخلوقاتها، وابتعد عن اللقطات المتكررة في رسومات البعض، بأن تصبح لقطات سياحية خالية من الروح، بل ساعدت اللمسات اللونية والتكوين البصري في كل لوحة على الإيحاء بالحياة والتماهي مع اللوحات والشحنة العاطفية التي تتولد عنها في نفس وعين المتلقي.
الفنان عصام كمال … من مواليد محافظة القليوبية عام 1966، درس دراسات حرة في كلية الفنون الجميلة، أقام العديد من المعارض الخاصة والجماعية داخل وخارج مصر.

 

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى