الدراما التركية والهندية تتنافسان على اختطاف المشاهد العربي

سارة محمد

في العام 2016 استحوذت الدراما التركية على نسبة مشاهدة كبيرة وأصبح نجومها أصدقاء للمشاهد المصري، ومنهم بيرين سات في مسلسل “السلطانة قُسم”، والذي بدأ عرضه قبل نهاية العام، و”العشق الأسود” الذي لعبت بطولته الممثلة توبا بويوكستون مع الفنان أنجين أكيوريك والذي كان قد أبهر المصريين في مسلسل “فاطمة” من قبل. بالإضافة إلى مسلسل “حريم السلطان” الذي عرضت الأجزاء الأخيرة منه في العام 2016، ولعب دور البطولة فيه الممثل التركي خالد أرغنش الذي باتت شهرته تنافس مشاهير هوليوود، بسبب الضجة التي أحدثها هذا العمل بأجزائه المختلفة عقب عرضه في الوطن العربي.
رسالة احتجاج

أوضح الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن التقارب بين الثقافة المصرية ونظيرتها التركية جعلها دائما الأكثر قربا للمشاهد، حيث أن هناك عددا من الموضوعات المشتركة مثل قضايا الثأر والعلاقات الزوجية ومشكلات الجيل الجديد مع القديم وغيرها.

ولفت إلى مسألة هامة، وهي أن ذهاب المشاهد المصري لمتابعة دراما مختلفة عن لغة بلاده يعد بمثابة رسالة احتجاج منه، لكنه في نفس الوقت أبدى ملاحظته بأن الأعمال التركية يعيبها التطويل والتمطيط لزيادة عدد الحلقات، وهو ما أخذته عنها الدراما المصرية.

ولا شك أن الأعمال التركية كانت عاملا أساسيا في تغيير الدراما المصرية من حيث استعادتها لروح الرومانسية التي كانت قد فقدتها في السنوات الأخيرة، حينما ظلت حبيسة دراما الحارات الشعبية والفقر والعشوائيات و”الأكشن”، وقد افتقد المشاهد المصري والعربي لتلك الرومانسية وبات يشتاق إليها، فوجد ضالته في الدراما التركية.

ولولا هذه الرومانسية في الأعمال التركية لما استعانت بها القنوات الفضائية، خاصة وأن هذا الخط الدرامي لا يزال خارج اهتمام الدراما المصرية حتى الآن.

وهناك عامل آخر يجعل الدراما التركية تستحوذ على نسبة مشاهدة لا بأس بها، وهو عرض الأعمال الجيدة التي يقوم بها أشهر النجوم الأتراك على مدار العام، بينما تقتصر المشاركة المصرية على عمل مصري أو اثنين على حد أقصى يؤديهما نجوم من الصف الثاني، حيث يقدم النجوم المصريون الكبار أعمالهم في رمضان فقط، ثم تتم إعادتها خلال أشهر العام، فيجد المشاهد بذلك نفسه في طور الاجترار وإعادة ما شاهده سابقا.

ولا يزال أغلب المنتجين المصريين يراهنون على الموسم الرمضاني لحصد المشاهدة الأعلى، ومن ثم المراهنة على الترفيع في قيمة العوائد الإعلانية، ما يمنح فرصة أعظم للدراما التركية للتربع على المشهد الفضائي.

تدخل الدراما الهندية، التي تصدرت المشهد في العامين الأخيرين، حيّز المنافسة مع نظيرتها المصرية، وارتبطت عودتها بالفترة التي تم فيها تقليص الفضائيات لعرض الدراما التركية بعد حملة المقاطعة التي شنتها الفضائيات عليها.

والدراما الهندية، ممثلة في أفلام الهند السينمائية، سبق وقطعت شوطا كبيرا مع المشاهد المصري الذي ارتبط بها منذ سبعينات القرن الماضي، ما منح المسلسلات الهندية تأشيرة العودة بنجاح للسوق المصرية.

وهذه الدراما هي الأكثر قربا إلى عقلية وطبيعة المشاهد المصري الذي يميل إلى “الميلودراما”، وهناك فئة كبيرة من المجتمع تستقطبها مثل هذه الأعمال وتحديدا أولئك الذين لديهم نسبة ثقافة أقل، وأيضا “ربات البيوت” اللاتي يجدن في رومانسيات “الهندي” فرصة لتمضية أوقات فراغهن.

ومن أبرز الأعمال الهندية التي عرضت خلال العام الماضي مسلسلات: “قبول”، و”منتهى العشق”، و”نصفي الآخر”، و”غيت”، بالإضافة إلى “جودا أكبر” الذي بدأ عرضه منذ عامين ومع ذلك لا يزال محتفظا على نجاحه وشهرته التي حققها في الوطن العربي كله، ما جعل الطلب يكون مركزا عليه دائما لإعادة عرضه.

ويشترك المزاج الهندي مع المزاج العربي عموما في البحث عن قيم أخلاقية ظلت غائبة الآن عن واقعنا اليومي وفي الدراما العربية، مثل: الوفاء والتضحية والتسامح والصدق، بالإضافة إلى التعرض للكثير من العادات والتقاليد الأصيلة.

كما أن ديكورات تلك المسلسلات وأزياء الممثلين التي تحتوي على الكثير من الألوان الزاهية، والارتباط بالموروث الثقافي والاجتماعي، كلها مثلت عوامل جذب للمشاهد على خلاف السينما والدراما العربية التي تخلت عن هذا “القديم” بداعي الحداثة والمعاصرة.
ومن أهم الأسباب التي جعلت الدراما الهندية الأكثر بروزا في الفترة الحالية انخفاض سعرها، ما كان سببا قويا في زيادة الاتجاه لعرضها بالقنوات الفضائية، على عكس الأعمال المصرية التي تتصاعد أسعارها بشكل مستمر وبات السعر يتوقف على اسم النجم الذي يلعب دور البطولة في العمل.

وإذا كانت أغلب الآراء قد أشارت قديما إلى ميل الدراما الهندية للمبالغة الشديدة، فإن صانعيها أصبحوا الآن أكثر وعيا وقدرة على تحقيق أكبر قدر من الجذب الجماهيري، وذلك من خلال احتفاظهم بالطبيعة الخاصة لبلدهم وموروثهم الثقافي بما فيه من عادات وتقاليد، بالإضافة إلى الغناء والاستعراض اللذين يتخللان الدراما التلفزيونية الخاصة بهم، وهو ما تفتقد إليه الدراما العربية بشكل عام.
لا.. للسياسة

يرتبط المشاهد المصري والعربي بالصراع داخل الدراما وبالحياة الأسرية، وهو ما يجده في الدراما التلفزيونية الهندية بشكل كبير، بعكس الدراما التركية التي تسير في اتجاه متواز مع الصراع الاجتماعي داخل العمل والبعض من مشاهد “الأكشن” والمطاردات. ورغم أن دراما الأجزاء الطويلة اقتبستها تركيا من الأعمال المصرية، إلا أن الأولى نجحت في تطوير نفسها بعكس المصرية التي كانت قد توقفت لفترة عن تقديم الأجزاء الطويلة، وحتى عندما عادت لتقديمها لقيت استياء الجمهور بسبب الملل والتطويل والتكرار.

ومنذ رحيل كُتّاب الدراما المخضرمين، أمثال الكاتب الراحل أسامه أنور عُكاشة، صاحب الملحمة الشهيرة “ليالي الحلمية”، لم نجد كُتابا من المعاصرين يستطيعون تحقيق التركيبة الدرامية الساحرة التي تمزج بين السياسة والحياة الاجتماعية والرومانسية أيضا.

وتفوق التجربتين الدراميتين الهندية والتركية يؤشر إلى تراجع في المؤسسات الثقافية المصرية التي لم تحرص على استثمار التجربتين، من خلال إجراء نوع من التبادل الثقافي مع هاتين الدولتين والاستفادة من خبرتيهما، خاصة وأن التراث المصري والعربي عموما مليء بالكثير من الأحداث والتجارب التي يمكن إعادة صياغتها وتقديمها للمشاهد.

جانب آخر للنجاح، هو عدم انشغال الدراما الهندية بالأحداث السياسية، إلاّ في حالات نادرة، وتمثل الدراما الرومانسية والأسرية النصيب الأعظم في موضوعاتها ما يصب في صالح إقبال المشاهد العربي عليها، وهو المشاهد الذي سئم من السياسة وبات يبحث عن منفذ للهروب من واقعه المعاصر، بما يحمله من مشاهد مأساوية ودموية تتصدر النشرات الإخبارية.

وتصطحب المشاهد “الهندية” المتفرج في رحلة زمنية قصيرة بين الطبيعة والتراث والشخصيات والرومانسية، وحتى إن توافرت مثل هذه الشروط في بعض الأعمال المصرية في الوقت الحالي، فإن المتفرج يلجأ إلى الأعمال “المدبلجة” كونه يحتاج للتعرف على نمط ثقافات ولهجات أخرى، وأصبحت “اللغة العربية” التي تظهر في دبلجة هذه الأعمال حديث العامة من الشباب والأطفال الذين ينطقون بها في الكثير من الأحيان.

وبسبب تلك الدراما انتقلت الثقافات التركية والهندية إلى المجتمعات العربية بصورة كبيرة، وخير مثال على ذلك أن “مهرجان الهند على ضفاف النيل” الذي يقام في أبريل من كل عام يلقى احتفاء من الشعب المصري بصورة كبيرة، للدرجة التي تجعل الكثير من الشباب يتهافتون على عروضه ويرتدون الزي الرسمي للهند، بل ويجيدون الرقصات الهندية أيضا. ورغم أن الدراما الهندية والتركية حصدتا جماهيرية واسعة في الفترة الماضية، إلاّ أن البعض من السلبيات تحيط بتلك الأعمال، خاصة عندما يتناول المسلسل نمط العلاقات العاطفية “الشاذة” التي تخرج عن الأعراف والتقاليد العربية، وللأسف راحت المسلسلات المصرية تتناول هذا الجانب اعتقادا بأنه يجذب المشاهد.

كذلك فإن هناك تناقضا في منطقة الخيال والعاطفة التي ترصدها العلاقات العاطفية في الأعمال الهندية والتركية، إذ ليس من المنطقي أنها تسير طوال الوقت دون صعوبات أو تحديات، وهو ما ينعكس بدوره على فئة “المراهقين” من الشباب العربي الذين يعتقدون أن الحياة تسير في هذا المسار.

ومع ذلك، وبالرغم من هذه النواقص، فإن الدراما الهندية والتركية مثلتا تحديا للمخرجين المصريين جعلتهم يبحثون عن لغة جديدة للصورة تقترب من الشكل السينمائي، ومع أن مستوى الكتابة تراجع، إلاّ أن عنصر التصوير وتفوقه سيكون عامل النجاح الأكبر على غرار التركي والهندي.

وتبقى الدراما الهندية والتركية شريكتان في النجاح التسويقي على مستوى فضائيات دول الوطن العربي والدولي أيضا، فمن خلال أسعار البيع الأقل تكلفة والخارطة التسويقية في العالم في العقد الأخير، أصبحت تلك الدراما على رأس قائمة “الأكثر تداولا” من قبل المحطات الفضائية.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى